حراس النفط !!

صحيفة الدستور، 21-01-2005

حراس النفط، عنوان تقرير تلفزيوني طويل بثه التلفزيون الفرنسي هذه الليلة، بل فيلم وثائقي تسجيلي صور كله على ارض العراق، باستثناء شهادتين لمسؤولين امنيين فرنسيين، ولقطة لعائلة احد المعنيين في جنوب فرنسا.

من خمسة عشر الى عشرين الف رجل، مقاتلون محترفون، رجال مرتزقة ذوي خبرة عالية اكتسبوها في اماكن مختلفة من العالم، خاصة في افريقيا السوداء، يتوزعون في وحدات منظمة تابعة لشركات خاصة، اميركية وبريطانية على ارض العراق. من عشرة الى خمسة عشر الف دولار يتقاضى الواحد منهم، ويجندون معهم عددا كبيرا من العراقيين، ادلاء او رقباء يدفعون للواحد منهم مئة دولار.

المعلق يتحدث طويلا عن وضع هؤلاء على الساحة العراقية، عن الشركات الاميركية والبريطانية التي تجندهم من كل بقاع الارض ولكن بشكل خاص من فرنسا، استنادا الى خبرة المرتزقة الفرنسيين في افريقيا السوداء، كما يقول: خبرة تعكسها لقطة تجول فيها الكاميرا على مقتنيات هؤلاء في احدى ثكناته، واذا كتاب كبير يحمل صورة رامبو (رامبو الشاعر الذي جاء ميناء عدن ليتاجر بالعبيد !!) الى جانب كوفية سوداء يعلق عليها الصحافي قائلا: يضعون الكوفية الفلسطينية للتقرب من الناس«!!

المهمات التي يضطلعون بها غامضة، ولا يتجنب التقرير الايحاء بقذارتها، لا يتجنب القول ان الذين قتلوا واحرقوا في الفلوجة كانوا من هؤلاء، ومثلهم الرهينة الذي قطع رأسه.

صعب ان يجد منهم من يقبل الحديث الى الكاميرا، خاصة اولئك الذين يضطلعون بمهمات لا يدري الا الله مدى خطورتها وقذارتها، يبدأ باثنين لا يبدوان ذوي اهمية، لينتقل الى ثالث يبدو الاختيار قد وقع عليه لان مهمته اقل سرية، واقل سياسية وجرمية، ولانه يعمل مع طرف عراقي (ربما ايضا لرغبة دعائية لنوع العمل الذي يقوم به )، فترافقه الكاميرا منذ وصوله الى مكان الشيخ صباح في مكان ما على الحدود العراقية السورية، وتصور لقاءه مع الشيخ وجماعته، اتفاقهم على ادارة تأمين حماية مصفاة للنفط هناك، حول مائدة ضخمة ملوكية، ثم مختلف مراحل عمله وزملائه منذ استقرارهم في موقع عسكري يعود لايام الاحتلال البريطاني.

مع زملائه الفرنسيين يجند سيلفان عددا كبيرا من العراقيين، الذين يقومون بدور الادلاء او الذين ينشرهم على طول خط الانابيب للمراقبة : مئات من العراقيين تصور الكاميرا الجدول الذي نظمت به اسماؤهم لصرف الرواتب، ويتحدث الرجل بتعال عن محاولات من هؤلاء للتزوير، ولتقديم اسماء وهمية لتقاضي راتب اضاقي.

راتب ؟ » مئة دولار« ويعلق : »العراقيون راضون ومكتفون بمئة دولار !! لكنهم يحاولون سرقتنا باوراق مزورة!!« وعندما يسأله الصحافي عن رواتب المرتزقة يبتسم ولا يجيب، لكن الصحافي يجيب : من عشرة الى خمسة عشر الف دولار.

من جهة اخرى لا يتجول هؤلاء الا في سيارات مصفحة، مدججين بالسلاح، وتركز الكاميرا على اليد التي لا ترتفع عن الزناد داخل السيارة. في حين يقوم العراقيون بمهماتهم سيرا على الاقدام مسلحين بسلاح خفيف.

في اجازته، يعود الرجل الى اسرته في جنوب فرنسا، ليلعب الغولف بسعادة، لتحدثنا زوجته عن فخرها به، كما يحدثنا طفله الصغير عن العراق، وليقول هو ان ثمة فرقا شاسعا بين فرنسا الخضراء والصحراء العراقية (لم يقل له احد انها بلاد ما بين النهرين التي الهت الخصب عندما لم تكن بلاده الا صحراء وكهوف). هنا ينتقل الفيلم الى التعليقات، ويبدأ بأحد رجال الامن المتقاعدين، الذي يعبر عن اسفه لعدم وجود شركات فرنسية تجند هؤلاء وتوظفهم، مما يجعلهم يذهبون الى الشركات الاميركية والبريطانية الخاصة، التي تحقق ارباحا كان من الاولى ان تعود لفرنسا. ويعيد هذا »التقاعس « الى عدم تجذر مفهوم »الدفاع الذاتي« في العقلية الفرنسية كما هو حال العقلية الامريكية.

بعده يأتي احد كبار رجال الاجهزة السرية المتقاعدين ليقدم قراءة اخرى للتقرير كله يضعها في نقاط:

اولها ان عدد قوى المرتزقة التابعة للشركات في العراق يجعلها القوة الثانية بعد الاميركيين (حتى قبل القوة البريطانية).

ثانيها ان ” خصخصة” الحرب هذه تمنح مرونة وحرية خطيرتين لقوى الاحتلال، خاصة للبنتاغون، لان عمل مجندي المرتزقة لا يخضع للقوانين التي يفترض ان تخضع لها القوات النظامية، وفي مقدمتها الحصول على موافقة الكونغرس قبل خطوات محددة.

وثالثها ان وجود هذه القوى يتحول عادة، كما حصل في افريقيا السوداء، الى قوة مضادة للديمقراطية، حيث يتم توظيفها لمنع منتخب اختاره الناس من البقاء في الحكم او لفرض اخر رغم ارادة الشعب.

اخيرا ما لم يقله هذا الرجل الجاد، هو السؤال الخطير حول عدد الموساد والمجندين الاسرائيليين في جيش المرتزقة هذا. سؤال لا بد ن يتبادر الى ذهن كل عاقل، وقد وردت اشارة خاصة اليه في التقرير نفسه، عندما استعمل الرجل المتحمس لشركات تجنيد المرتزقة تعبير » الدفاع الذاتي«، اذ انه من المعروف ان هذا التعبير هو الذي تطلقه على نفسها الميليشيات اليهودية الخاصة والسرية، في اوروبا واميركا، وهي ميليشيات مدربة ومنظمة لها اطرها الادارية والتنظيمية ومعسكراتها و…شركاتها.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون