اشياء تحدث ولا تحدث!…

صحيفة الدستور، 19-01-2005

في بريطانيا تضج المسارح باكثر من عمل مسرحي ضد الحرب واحتلال العراق. بدءا من العمل الاكثر شهرة الذي حمل عنوان: »اشياء تحدث« مستعيرا العبارة التي علق بها رامسفيلد على اعمال النهب والتدمير التي رافقت واعقبت غزو العراق.

العبارة حملت استخفافا مذهلا بكل قيم الحضارة والانسانية، وتتفيها لكل الجرائم الهائلة التي ارادت محو الحضارة العراقية من الوجود، كما عملت بشكل ممنهج على تدمير انسانية الانسان في ذلك البلد الذي ارضع الحضارة البشرية حليب حياتها.

والفنان البريطاني لم يتحمل هذا الاستخفاف فوضع المقولة في اطار عنوان مسرحية تسخر من كل خطاب الحرب، واضعة على الخشبة كلا من جورج بوش ودونالد رامسفيلد، وطوني بلير.

فريق فني بريطاني آخر، اختار ان يكون مسرحه احتجاجا آخر، على قضية اشكالية رهيبة هي مقتل الخبير البريطاني ديفيد كيلي، اثر كشفه لصحفي في البي بي سي ، عن كذب حكومة بلير بشأن اسلحة الدمار الشامل.

بين العرضين، وعد آخر كبير من المسرحيات التي ترفع الصوت عاليا ضد ما يحدث.. عدد تتحدث عنه زميلتي الايرلندية العائدة من العراق بحماس شديد،كما تتحدث عن مشاهداتها فيما بين النهرين، عن لجوئها الى زيارة المستشفيات وعد الجثث، كي تتمكن من تبين حقيقة الارقام التي تكذب بشأنها التقارير الاميركية والبريطانية والعراقية.

الزميل الفرنسي، الى يميني، يعقب على مسرحية اخرى شاهدها في مكان آخر من اوروبا، وانا انظر الى مضيفتنا العراقية، عيناي في عينيها تشتبكان بالسؤال: هل ثمة عمل مسرحي عربي سجل احتجاجنا على الحرب؟

هل يعقل الا يكون الفنان العربي قادرا على الاستجابة لردة فعل كرامة حضارية كما البريطاني؟

هل يعقل ان تعليق رامسفيلد بأنها اشياء تحدث، لم يثر فينا ما اثاره لدى فنان غريب؟ أهو حس الكرامة الميت؟ ام هو حس احتقار الذات المميت؟ ام هو انتصار عوامل التخلف الحضاري فينا كأبشع ما يكون؟

انه عصر الردة، وموت الكرامة!!

صديقتي العراقية، تقول لي بالعربية – كي لا يفهم الآخران : لو سمعت جواد الاسدي وهو يفتي على قناة الحرة (اجل الحرة وهذا الدعي الماركسي!..) – يفتي بخطاب طويل يصب في قناة تبرير الاحتلال .. ربما شهادة تأهيل لاحتلال منصب اداري فني يعينه فيه من عينوا فريق »الحرة« كما عينوا حكام بلاده المحتلة.

اذكر حديثا اخر سمعته في عمان عن الفريق الذي كان يتاجر، عبر وزارة الثقافة السابقة، بآلام العراقيين المحاصرين، فجاء هذا العام الى القاهرة متاجرا بدعاوى المصالحة، عبر وزارة ثقافة الاحتلال.

مفارقة ان يكون المسرح موضوع حديث الليلة في هذه الغرفة الباريسية البعيدة، كمعبر عن الحالة العراقية في ضمائر المبدعين!

مفارقة ان تكون الساحة العراقية اهم ساحات المسرح العربي، والا نسمع حتى الان صوت عمل واضح ضد الاحتلال!

ربما .. لو كتب ونفذ فريق عملا كهذا، لما سمحت له انظمتنا الرسمية بالعبور، ولكن هل كان المسرح يوما – وعلى مدى العالم – الا سلاحا نضاليا ضد الظلم؟

ذلك ما يفسر تفجر المسرح الغربي ضد الاحتلال، وضد الاشياء التي لا يمكن ان نتصورها.

لكن ما يحدث وما لا يحدث هناك، هو غير ما يحدث وما لا يمكن ان يحدث عندنا!! والامور مرهونة بأوقاتها .. وباماكنها!!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون