من جنين، من غزة، من رفح، من تحت تمثال السيدة العذراء في بيت لحم، من شوارع نابلس العتيقة، من الجنازات التي اصبحت تفاصيل الحياة اليومية، من الاشلاء المتطايرة على الجدران، من اضرابات السجناء المعذبين ودموع اطفال واهات الشهداء، من لقمة عزت ودواء تمنع وعبور حاجز استحال… من هناك جيء بهم الى اشويتز. جيء بهم ليشاركوا في البرنامج الهستيري الذي تنظمه المؤسسات اليهودية في اوروبا احياء لذكرى ازالة معسكر اشويتز.
لماذا جيء بالفلسطينيين الى هناك ؟ هل كان العرب يوما جرمانيين ؟ هل كان جدودهم يزرعون بياراتهم لصالح ادولف هنلر ؟ هل كانوا الا ضحايا عذاب يفوق كما ونوعا عذابات اشويتز؟
كان اليهود اوروبيين، وكانت اوروبا تخوض حربها العالمية الثانية، مثلهم مثل جميع مواطنيهم عاشوا عذابات بشكل او باخر، حتى اشويتز لم يكن مقتصرا عليهم، فماذا كان لنا نحن العرب في حرب امم الغرب والشرق لندفع ثمن صراعاتهم ؟ ولماذا لا يذكر معتقلو اشويتز من غير اليهود في هذه الاحتفالات؟
هل ترك الشباب الذين حملوا الى معتقل غريب، اتين من بلاد كلها معتقل رهيب، هل ترك لهم ان يقرؤوا ان الرقم الكتوب على باب معتقل اشويتز الان هو ” ما يزيد عن مليون ” وهل قيل لهم ان هذه العبارة جديدة، اضطر المشرفون الى وضعها بعد انفضاح اسطورة الملايين الستة ؟ لكن الاعلام ما يزال يقول ستة ملايين.
الرقم ليس مهما، فالاعتداء على انسان واحد هو جريمة بحق الانسانية. هذا صحيح ! فكم من فلسطيني اذن يسجلون على اليهود جرائم بحق الانسانية ؟ ومتى سيكون لنا ان نحتقل بازالة اشويتز الفلسطيني؟
هل كان لهؤلاء الشباب الذين جيء بهم ان يسالوا هذا السؤال ؟ لو سألوه لكانوا سيلقون مصير روجيه غارودي الذي حوكم على عبارة تقول بالحرف »ان التعدي على اي انسان، يهوديا كان ام غير يهودي، هي جريمة بحق الانسانية« حوكم الفيلسوف المناضل، وحكم عليه، لان قوله : يهوديا اوغير يهودي، اعتبر تخفيفا من جريمة الهولوكوست. اجل هكذا جاء في نص الحكم. والخلفية المسندة، هي ما يكرره منظرو المحرقة كلهم، من ايلي ويزل الى سيمون فيل، من انه لا تجوز مقارنة موت اليهودي بموت غير اليهودي (هذه العبارة نسمعها على لسان المحتفلين، بصيغة او باخرى، كل يوم)
فهل قيل ذلك للشباب الفلسطينيين الذين اخذوا الى اشويتز؟
اية عملية غسل دماغ تعرض لها هؤلاء ؟ وباية استنتاجات عادوا؟
الاخطر، انها لن تكون المرة الاخيرة، فهذه الزيارة ان هي الا حلقة في برنامج طويل اعد للشباب الفلسطيني كما تقول الاوساط الصهيونية علنا. فمن يتصدى لها ؟؟