الم الهامات والم البطون!!…

صحيفة الدستور، 17-01-2005

على صورة الله ومثاله، يمهل ولا يهمل ، كذا هي الشعوب، وان كان مدى امهالها مرهونا بعناصر كثيرة تختلف من سياق الى اخر. معادلة تنطبق بامتياز على الشعب الفلسطيني، الذي، ربما لم يفهمه احد كما فهمه ياسر عرفات، ولذا استطاع واستحق ان يكون رمزه.

في حياة الرجل كان بامكان الكثيرين ان يزايدوا عليه في التشدد او ان يزايدوا عليه في الاعتدال. ولكن ما ان ذهب حتى وضع الجميع امام مسؤولياتهم واستحقاقاتهم. ومن جهة اخرى اصبح الكثيرون اكثر قدرة على التجرؤ فيما يخص الفلسطينيين وقضيتهم.

فما الذي سيستطيع ان يقدمه ابو مازن الان ؟ الكل يطالبه بتنازلات، والضغوط تشتد عليه من كل الاتجاهات. لكن هل سيقبل له شعبه بما لم يقبل به لعرفات؟

لقد وجد عرفات نفسه، قي لحظة كامب ديفيد، بين خيارين : اما ان يدفع ثمن التزامه بالخطوط الحمراء التي يرسمها تلقائيا الضمير الفلسطيني،واما ان يدفع ثمن تجاوزه لها. وكان خياره التاريخي الذي جعل لصرخته : شهيدا ! شهيدا ! مدى صدق لم تكتسبه كل صرخاته السابقة.

والان يقف ابو مازن امام الثنائية ذاتها دون ان يكون له رصيد شعبية عرفات، لا ولا قوة حضوره على الساحة العربية الشعبية والرسمية، التي كانت قادرة على ان تلجم زعيما عربيا عن القول الفضيحة بان على الفلسطينيين ان يفهموا ان عليهم القبول بالسلام.

رصيد الشعبية بامكان الرئيس الفلسطيني الجديد ان يكتسبه اذا ما عرف كيف يكون صوت ضمير واحلام ناسه، واذا ما اضاف الى ذلك المباشرة في عملية اصلاحية سياسية واقتصادية تبدا باستئصال الفساد، وبعدم التعدي على حريات الناس.

هذا هو الذي يحسن حياة الفلسطينيين وليس مجرد السلام الذي تحدث عنه الرئيس المصري امس. لكانه بذلك يستكمل التفسير الذي اعطاه في برلين قبل سنتين للعمليات الاستشهادية ، بانها مجرد سلوك يائس لمواطن يجد نفسه في الفقر والبؤس.فاي منطق هذا الذي يتجاهل موضوع الكرامة الوطنية وحلم الشعوب بالحرية والاستقلال!! الم يقرا الرئيس تاريخ النضال الوطني العربي منذ العثمانيين الى الاوروبيين الى الصهيونية ليكتشف قوائم المناضلين الذين كان الم الهامات لا الم البطون والمعدة هو ما دفعهم للنضال والاستشهاد ؟

اجل يحتاج الفلسطينيون، ككل الناس، لتحسين اوضاعهم المعيشية، وهذه مهمة اساسية على اكتاف حكومتهم الجديدة، لكنهم يحتاجون اكثر من ذلك الى من يصون حقوقهم الوطنية وكراماتهم، والى من لا يبيع دماءهم وعذاباتهم بثمن بخس.

يحتاجون ايضا الى موقف عربي، ان لم يقدم لهم اوفر الدعم، لا يضاعف الضغوط عليهم، وذلك اضعف الايمان.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون