كانت شابة مفعمة بالحياة، تضج بمشاريع المستقبل، وعندما دهمها المرض الخبيث لم يكن نوعه من ذلك المستعصي على الشفاء خاصة وانها ادركته في بداياته الاولى. لكن حرصها على الحصول على افضل العلاج، واصرارها على الحياة، وهي الام الشابة لثلاثة اطفال صغار، جعلها تلهث في السعي ورا ء افضل المتاح منه. لتسقط في وهم ان هذا الافضل انما يتأمن في اسرائيل. فالدولة العبرية التي فشلت حتى الان في تدجيننا سياسيا، استطاعت وللاسف ان تزرع في الكثيرين منا عقدة النقص ازاء تفوقها العلمي .
أهي تلك العقدة، ام هي ثقة مطلقة، ام هي سيكولوجية المريض الذي يتعلق بحبال الهواء، هي التي جعلت هذه الشابة تفعل ما فعله كثيرون مثلها في اماكن مختلفة من العالم، اذ يوقعون على ورقة يوافقون بموجبها على تلقي العلاج على مسؤوليتهم . ليسلموا بذلك اجسادهم وارواحهم، حقلا لتجربة دواء جديد لم تثبت بعد نجاعته بل وحتى عدم خطورته . والنتيجة : فشل التجربة وموت المعني كما يحصل لاي فأر مختبر.
هذه القصة حصلت سابقا بضع مرات في مستشفيات اميركية، ولمواطنين عرب، او عالم ثالثيين، وها هي تحصل في اسرائيل، دون ان يستطيع المريض المسكين ان يطالب حتى بتعويض، بحجة انه وقع على مسؤوليته، او بالقول ان الامر خطأ في العلاج . هكذا وكأن ارواح الناس مجرد رقم صغير يضيع وراء اصفار فاصلة، ببساطة لا تستحق المراجعة .
تجربة تذكر باكثر من قضية مفهومية: اولاها ايديولوجية مواطني الامبراطورية والبرابرة التي كانت اساس رؤية الامبراطورية الرومانية، حيث كان ما ينطبق على المواطنين من حقوق انسان، لا ينطبق على كل من هم خارج حدود الامبراطورية ويطلق عليهم لقب البرابرة . وثانيتها ايديولوجية الاستعباد التي جعلت الانسان الاسود يعامل كما تعامل الحيوانات او اقل، وثالثتها وربما هي اكثر ما يعنينا تلك النظرية التلمودية التي تقسم البشر الى ابناء الله، اي اليهود وابناء الناس اي الغوييم، وجعل ما ينطبق على الاول لا ينطبق على الثاني . وفي التطبيق العملي لهذه الايديولوجية، يقول اسرائيل شاحاك في كتابه »الديانة اليهودية التاريخ اليهودي« ان فقهاء التلمود افتوا نصا بجواز اجراء الاختبارات الطبية غير المضمونة على المرضى من غير اليهود.تماما كما نجيزها نحن على الارانب والفئران والقرود.
هل لنا ان نقرأ اسرائيل شاحاك ومن بعده اسرائيل شامير لنفهم ان التفوق العلمي لا يفيد اذا ما رافقته رؤية انسانية عنصرية تمييزية مجرمة، وان هذا النوع من التفوق لن يكون لك بل عليك طالما انك من العنصر الادنى.. بل ولنفهم ما هو ابسط من ذلك وهو ان الطب حس انساني واحترام الطبيب والعالم لحياة المريض قبل ان يكون ارقاما ومعادلات، وان من الافضل لنا ان نثق باطبائنا بدلا من ان نذهب بارجلنا لمن يرى فينا فئرانا او قرودا عليا تصلح للتجارب ؟
ومن ناحية اخرى ما الذي علينا ان نقرأه لنتعلم كيف نحترم انساننا وروحه، كي نفرض ذلك على الاخرين؟
سؤال يستتبع اخر : من الذي يطالب بالتعويض في هذه الحالات ؟ واية ضرورة لاشهار تلك القضايا خاصة في الوسط الطبي وفي الاعلام كي لايلي اللاحق السابق؟