هل كان حلم الديمقراطية هو ما حرك الاوكرانيين ، ام حلم الاوربة ؟
طويلا حلم الغرب بالشرق مصدر وحي وسحر وثراء ، وها هو الوقت قد جاء ليحلم الشرق العائد من الاشتراكية بالغرب الاوروبي والاميركي.
اجل انه حلم الهامبرغر والماكدونالدز ، حلم الحياة الرخية الموعودة ، والحريات المفقودة ، بل وحلم البديل اي بديل ، الاخر اي اخر ، ازاء وضع مترد من تضييق وفساد وعزل.
لكن الحلم غير الواقع ، وما وجدته دول اوروبا الشرقية التي تهالكت على الخلاص من الاشتراكية ، جعلها الان تندم على ايام مضت من استقرار وامان اقتصادي واجتماعي.
الفساد والفقر والقمع في رومانيا اليوم لا يقارن باي حال بالوضع الذي كان عليه الحال ايام شاوشيسكو ، والظروف التي تعيشها المجر تجعل الماضي حلما مستعادا ، اما يوغوسلافيا الممزقة بالحرب المدمرة ، بالفقر ، وبكل انواع الدمار المادي والمعنوي ، فليست تلك التي كان يقودها جوزيف روز تيتو.
حتى روسيا التي يحاول بوتين ان يعيد اليهاشيئا من هيبتها الدولية ، وان ينتزعها بصعوبة بالغة من انياب المافياوات المحلية ، الدولية واليهودية ، ما تزال بعيدة كثيرا عن روسيا خروتشيف او كوسيغين.
فلماذا افضى الصراع بين الشرق والغرب الى هذه النتيجة الماساوية للاول والى هذا الانتصار الساحق للثاني ؟
ومن جهة ثانية ، اين اصبح موقع الصراع الدولي على قيادة العالم بعد هذه المعادلة ؟
على السؤال الاول ، تتقدم الاجابات عديدة ، لكن في مقدمتها اثنين مختلفي المصدر : الاول ان الانغلاق ، ومصادرة الحريات لا تؤدي باية تجربة الا الىالفشل ، فابنك الذي تعطيه كل شيء وتؤمن له كل شيء ، وتحميه من كل شيء ، لا يكون قانعا وراضيا اذا لم تعطه حريته ، ولم تدفعه الى التعرض لمعرفة الاخرين كي يتمكن ان يقارن ويكتشف انه في نعمة.
والثاني ، ان دفع الثقافة الاستهلاكية وقيمها ، المنبثقة من الرؤية المادية المنفعية للكون ، لم يكن من شانه الا وان يغذي لدى كل فرد حلم الالتحاق بالركب الاستهلاكي الغربي الذي تصبح فيه الحياة الاميركية نموذجا.
يضاف الى هذين السببين ، سبب اخر اجرائي ، الا وهو دور وسائل الاعلام والاتصال ، التي لا تقتصر على الصحافة فحسب ، على تسويق هذا النمط ، وتصويره على انه جنة الله علىالارض. دور لم تكن وسائل الاعلام الاخرى بقادرة على مواكبته وتحديه.
اما السؤال الثاني ، الذي يدور حول انتقال الصراعات ، فانما يجد جوابه السريع في تحول المواجهة على الساحة الغربية والدولية ، بين ولايات متحدة مصرة على الاستمرار في الهيمنة الاحادية على العالم ، واوروبا مصرة بدورها على تحصيل استقلالية تضعها في صف الشراكة لا في صف التابع. مواجهة تحاول الدوائر الاميركية ان تحسمها على عدة جبهات ، من اليورو الى الاطلسي ، ولكنها انما تعمل على حسمها بشكل اساسي بحصان طروادة تشكله هذه الدول العائدة من الاشتراكية ، بردة فعل جاهلة وهوجاء تجعل توقها الاساسي هو الارتماء في ذيل التنورة الاميركية.
وبذا يصبح انتصار اوكرانيا انتصارا اميركيا ، على روسيا اولا ، وعلى اوروبا ثانيا.