مكافحة تلوث الذائقة!؟

صحيفة الدستور، 23-12-2004

لم تشهد منطقتنا عيد ميلاد لم يلفه الحزن منذ عشرات السنين، بسبب الجرائم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي، وقد أضيف سبب آخر للحزن هذا العام، بسبب احتلال جديد دخل على هذه المنطقة التي ذاقت الأمرّين من ويلات الاحتلال..

في فلسطين، اقتصرت الاحتفالات بعيد الميلاد كما هو الحال منذ سنوات طويلة على الشعائر الدينية. حيث خلت مظاهر البهجة والفرح من أجواء العيد، ليس بسبب الاحتلال وحواجزه وتضييقاته فحسب، بل بسبب فقدان الرئيس عرفات، الذي أكمل دائرة الحزن بالتعاون مع تواصل الحصار والاغلاق ، الذي تفرضه إسرائيل على محافظة بيت لحم خاصة، والأراضي الفلسطينية عامة، والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري الذي يحاصر المدن والمحافظات الفلسطينية.

غبطة البطريرك ميشيل صباح في القدس والأردن وسائر الديار المقدسة، قال ان العيد هو رسالة انتصار على الأحزان والآلام واليأس، مهما كانت، وخاصة بفقدان القائد الرئيس أبو عمار، رمز السلام، وكذلك من أجل استمرار الإرادة القوية على تحقيق الآمال، حيث لا بد للشعب الفلسطيني أن يكون دائماً مسلحاً بالأمل وقوة الإرادة، كلمات تحاول أن تبعث على الأمل وسط جو قاتم من القهر والحزن بفقدان الأعزاء، الذين إما استشهدوا أو أنهم يقبعون أسرى في سجون الاحتلال..

أما في العراق، فلأول مرة في تاريخ العراق، يعلن مطارنة الكنائس المسيحية في بغداد ومعظم المدن العراقية إلغاء الاحتفالات بعيد الميلاد خشية التدهور الأمني الذي خلقه الاحتلال بالبلاد، مؤكدين في الوقت نفسه أن هذه الخطوة تأتي تعبيرا عن تضامنهم مع المسلمين الذين لم يتمكنوا من الاحتفال بعيد الفطر المبارك ومع العائلات العراقية التي فقدت منازلها بسبب هجمات الاحتلال. ووفق بيان أصدره رئيس أساقفة محافظة كركوك، المطران »لويس ساكو«، نيابة عن رؤساء الكنائس في المحافظة، فقد تقرر إلغاء الاحتفالات بعيد ميلاد السيد المسيح لهذه السنة والاكتفاء بالصلاة »لكي يعتمر السلام والمحبة قلوب البشر«، كما دعا البيان العراقيين بمختلف طوائفهم للتحاور من أجل النهوض بالعراق قائلا: »لنجلس معًا (عربا وأكرادا وتركمانا وآشوريين، مسلمين، ومسيحيين…) لنتحاور ونتبادل الآراء ولنراجع المواقف بعقلية حضارية من دون اللجوء إلى البارود الذي لا يخلف سوى الموت والدمار. لنتحاور من منطلق مسؤولياتنا الإنسانية والوطنية في سبيل مستقبل أفضل للعراقيين: مستقبل فيه سلام وعدالة وأخوّة«. أما القس »بيوس« فقال في أحدى كنائس منطقة المنصور ببغداد: »لقد قررنا منع الاحتفالات الدينية احتفاء بولادة سيدنا المسيح خشية تكرر عمليات التفجير التي طالت كنائس متعددة في بغداد والموصل«. وعند سؤاله عمن يقف وراء التفجيرات التي استهدفت الكنائس قال: »لقد عشنا بسلام وأمن طيلة فترة وجودنا مع إخوتنا المسلمين والعراقيين أجمع، ولم يكن ما يعكر الجو فيما بيننا، ولا نعتقد أن هناك من العراقيين من يفعل مثل هذه الهجمات الإرهابية وإنما نعتقد أن هناك أيادي أجنبية تسعى لبث الفتن الطائفية بين المسيحيين والمسلمين، كما حرصت على بثها بين السنة والشيعة وهذا لن يكون أبدا، فنحن شعب واحد تربطنا مصالح مشتركة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفتت هذه الأفعال الإجرامية تلك اللحمة الواحدة بين أبناء العراق الواحد«!!

سبب واحد لكل هذا الحزن الذي يلف عيد ميلاد السيد المسيح: الاحتلال إسرائيليا كان او امريكيا.. الأجيال المسيحية والمسلمة أيضا، التي تعيش في هذه المنطقة لديها أمل واحد فحسب: أن ترى عيدا واحدا فحسب بلا حزن!!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون