يجب تدمير حارة النصارى.
والذي يدعو الى هذا التدمير هو سيادة المطران جورج خضر، هذا الكاهن المضيء الذي اضاء مع العلامة محمد محسن الامين، قاعتنا هذا الصباح في بيروت.
على مدى اليومين الماضيين كنا نشحن القاعة بحواراتنا وجدالاتنا حول تنظيم المجنمع المدني العربي، وذلك قبيل خطوة هامة سوف تتخذها الجامعة العربية، تتمثل في ضم منظمات المجتمع المدني العربية الى الجامعة العربية بصفة مراقب.
القرار خطير سلبا وايجابا، اذ سيعمد الاجتماع القادم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الى تحديد معايير قبول هذه المنظمات في الجامعة.
وجلسة الصباح كانت مخصصة ليتحدث فيها رجلا الدين المضيئان عن المجتمع المدني، عن دور المسيحيين العرب عن العلمنة، وعن دور المجتمع المدني العربي في التنوير، والتوحيد.
عبق روحي خاص يفوح من الحديث، وخصوصية فكرية تنويرية تسمه، تدفع المشاركين المغاربيين الى تسجيل تقديراستثنائي لخطاب يسجل ايضا الاسف لانه ليس الخطاب السائد.
وسيادة المطران يتحدث، كان يتبادر الى ذهني اخر كتاب قراته، وهو عن سيرة الملك البروسي العظيم فريدريك الكبير ، حيث توقفت عند مقولة له ” اذا كانت المسيحية قد انتشرت في اوروبا وسيطرت فذلك لان الرواقية قد مهدت لها الطريق ” وعندما تحدث سماحة الامام انتقلت العبارة في ذهني الى اخرى ” اذا كان الاسلام قد انتسر وسيطر على الحضارة العربية، فذاك لان المسيحية قد مهدت له الطريق”.هكذا ارتسم الخط المتصل من الرواقية الى المسيحية فالى الاسلام، اي الخط الذي يحدد هويتنا الثقافية وانتماءنا الفكري.
هو الخط الذي وعيناه نحن الخارجون من حارة النصارى الى ساحات الامة، هناك حيث التقينا بالخارجين من حارة المسلمين، التي قد تكون اكبر لكنها حارة بمعنى الحدود الفاصلة، لنسير معا في خط حضاري واحد هو هويتنا التي تتمايز- ضمن المشترك الانساني- مع الهويات الاخرى، تمايزا لايجوز ان يعني الانغلاق وانما التفاعل.
واذا كانت العلمانية الغربية قد جاءت كردة فعل على ديكتاتورية الكنيسة التي ابتدعت مفهوم الحق الإلهي- كما قال سماحة الامام – واذا كانت السلطات الدنيوية قد ابتدعت، بدورها – كما قال ايضا- مفهوما اخر للحق الالهي، بالجنوح الى سلفية جعل منها تراثا، مما يخلق امكانية ان تكون دعوى العلمنة لدينا ردة فعل مشابهة ، فان المضمون الحقيقي لردة الفعل هذه ، تكمن في تغييب حق المواطنة، وذاك ما يفترض بمنظمات المجتمع المدني الحقيقية ان تعمل على ترسيخه واعادته الى نصابه، حتى يستقيم معنى السلطة ومعنى الدين ومعنى العلمنة وسائر المعاني.
لكن السؤال الخطير هو : هل ان الابواب التي ترفع فوق عتباتها شعارات المجتمع المدني بقادرة على ذلك، وجزء كبير منها مجرد دكاكين استرزاق تمد لسانها للحس القرش من يد السلطة او من يد الاجنبي؟
ذاك ما سنعود اليه غدا