راي دولي

صحيفة الشروق، 25-10-2004

التناقض

جان بول بلاد*

في اواخر اب توجه ميشال بارنييه الى سفراء فرنسا  بعبارات تستحق المراجعة لانها تكرس تناقضا تتخبط فيه الديبلوماسية الفرنسية منذ سنوات. لقد اوضح وزير الخارجية لسفرائه انه لن تكون لفرنسا من الان فصاعدا سياسة خارجية اوروبية. قاعدة اضاف اليها اخرى تقول: على بلدنا ان يتجنب الغطرسة كما يتجنب العزلة.

هذا البرنامج لايعني  فقط الاعتراف بان اوروبا هي احد افاق الديبلوماسية الفرنسية. ففرنسا تساهم، وباشكال مختلفة، منذ قرون  في الكونسرتو الاوروبية، بل انها فاعل اساسي فيها. غير ان الاكتفاء بهذا القدر من التحليل، يكشف عن  عيب خطير في في الخط الذي حدده بارنييه. فمنذ عدة قرون وفرنسا تشعر بانها منذورة لسياسة دولية.  ولم يكن من شان غياب امبراطوريتها ان يغير في هذا المعطى الاساسي. فحضورها على جميع محيطات العالم عبر مقاطعاتها ما وراء البحار يكفي لتشكيل رافعة لهذا الطموح. لكن هناك ما هو اكثر من ذلك، ان خطابها الكوني يغذي اشعاعا يتجاوز حدود اوروبا الصغيرة. وبتعبير اخر فان ميشال بارنييه، بتثبيته قاعدة اانكفاء فرنسا داخل الافق الاوربي، انما يقترح عليها انحسارا لمجال فعلها يتناقض مع تقاليدها.

ان رسالة بارنييه تمضي الى ابعد من ذلك. انها تنكر انه ما يزال  بامكان فرنسا ان تلعب سياسة مستقلة، اذ ان هذه السياسة تصبح بلغة الوزير ” سياسة معزولة ”  وتلك، قطعا، اسوا السياسات.

ان على فرنسا برايه ان تقبل بان تضع سياساتها الخارجية في اطار البنى الاوروبية. وفي ذلك استعجال تطبيق الدستور الاوروبي الذي سيكون من شانه الحاق سياستنا الخارجية بسلطة  وزير الخارجية الاوروبي، وتحويل كي دورسيه الى فرع من فروع بروكسل.

الى هنا وكل شيء واضح ومنطقي. غير ان التناقض يتفجر عندما ننتقل من الايديولوجي  الى التطبيق. فعلى الجبهات الاخرى تقود فرنسا سياسة خارجية تتجاهل المبادىء التي اعلنها ميشال بارنييه امام المؤتمر السنوي للسفراء. اذ انه لم يكد يغادر المؤتمر حتى وجد نفسه امام قضية المخطوفين، وكي يحاول حلها عمل على تحريك صداقاتنا  في العالم العربي. تحرك لم يتوجه الى بنية خيالية هي اتحاد اوروبي غير رسمي غائب عن ساحة الشرق الاوسط والادنى،  بل الى بلد واقعي حقيقي يربطه تاريخه القديم والحديث بالعالم العربي.

هذا التمييز بين الخيال والواقع، وجدناه مرة اخرى عندما دعا  جاك شيراك،  من على منصة الامم المتحدة، الى انشاء ضريبة عالمية لتمويل مكافحة الفقر. فهو لم يتبن هذا الخطاب بتفويض من قبل الاتحاد الاوروبي. بل انه، وعلى العكس من ذلك، طرح مبادرته بالاتفاق  مع الرئيسين البرازيلي والتشيلي. مما يعني ايضا ان فرنسا تحملت هنا مسؤولياتها العالمية التي ينكرها عليها وزير خارجيتها.

واخيرا. ليس هناك ما يجسد هذا التناقض اكثر منالالتزام الفنرنسي المستمر بالقضية العراقية.  اذ  جاء رد شيراك على خطة بوش للدعوة الى مؤتمر دولي حول العراق قبل نهاية اكتوبر، ليقدم  مثالا على ذلك. فموعد المؤتمر يجعل منه عملية منسوجة بدقة مكشوفة، اذ  ياتي قبل عدة ايام من الانتخابات الاميركية التي ستتم في 2 نوفمبر. وقد كان رئيس الجمهورية على حق في رفع مستوى  شروط موافقته على المؤتمر: تنظيمه تحت اشراف الامم المتحدة، تحديد موعد رحيل القوات الاميركية ومشاركة المقاومة الوطنية  في المفاوضات.

شيراك لم يتصرف هنا ايضا كمفوض من قبل المفوضية او المجلس  الاوروبيين، وانما بصفته رئيسا لاحدى القوى الخمسة الاعضاء الدائمين في مجلس الامن.

وختاما لا باس من التذكير بان جورج بوش قد رد فورا بانه يرفض ان يخضع حق الولايات المتحدة في التدخل عسكريا خارج حدودها لفيتو دول اجنبية، من مثل فرنسا، كما قال، بسبب خضوع الرذيلة للفضيلة.

ان سياسة رئيس الجمهورية هذه تلقى دعمنا الكامل. مع التحفظ الاساسي على انه لن يكون بامكانه ان يمارسها اذا ما دخل الدستور الاوروبي حيز التطبيق. منذ ذلك اليوم ستحرم فرنسا من وسائل اسماع صوت مستقل واصيل في العالم.  ولن يكون للرئيس بوش او خليفته ان يقلق لانها تكون قد التحقت بالصف. وباختصار فان علينا  نحن الذين نريد استمرار هذه السياسة، وهذا امل غالبية الفرنسيين، ان نصوت بلا للدستور الاوروبي.

*رئيس حزب التجمع لاجل استقلال فرنسا

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون