القبالة!

صحيفة الدستور، 11-08-2004

اخر الصرعات اليهودية، اقدم الطقوس الانسانية، القبالة!

متصوفة ليهودية، هكذا يصفونهم في الغرب، وباخبارهم تضج هذه الايام وسائل الاعلام الغربية.

لا يهمني كثيرا ان اعرف تفاصيل عن هذا الطقس اليهودي الاخذ في الانتشار، لكنني اقف امام ملاحظتين : الاولى هي قدرة طرح كهذا على اجتذاب الانسان الغربي الذي ارهقته الحياة المادية البالغة في عقلانيتها، وراح يبحث عما يعيه قليلا الى الروحانيات، عودة تتسم احيانا باللجوء من جديد الى حضن الدين، ولكنها كثيرا ما تسقط احيانا اخرى في فوضى البدع الغريبة العجيبة التي نشهد منها المئات اذا ما اهتتممت بتتبعها في أي مجتمع من المجتمعات الغربية. الطريف هنا والمثير فعلا للتعجب هو قدرة اليهودية العالمية والحركة الصهيونية على التقاط نبض المتغيرات الاجتماعية والفكرية في العالم والافادة منها، لا لصالح اليهودية الدينية وانما لصالح دولة اسرائيل.

فالقبالة كمذهب وطقس صوفيين قديمين قادرة على اغراء هذا العطش الروحي واجتذاب الكثيرين، رغم قساوة المتطلبات الحياتية السلوكية التي تتطلبها من الذي يريد اعتناقها. وفي نهاية الامر يوظف هذا التجمع لصالح اسرائيل طالما ان المرككز الرئيسي هناك، وطالما انها المرجع الروحي والقبلة التي يفترض على القباليين الحج اليها سنويا، ان لم يسكنوا فيها.

الملاحظة الثانية هي الاسلوب المعروف في اجتذاب بعض نجوم السينما او الرياضة او عرض الازياء المشهورين، لنوظيف انتمائهم لصالح الدعاية واجتذاب الاخرين، ومن هؤلاء استطاعت القبالة ان توظف اسم عدد من المشاهير في مقدمتهم اليزابيت تايلور وباربارا سترايسند وناعومي كامبل و……مادونا.

اجل مادونا تبرعت للقبالة بشراء عمارة في لندن بمبلغ مليون ونصف مليون دولار، كي تكون مركزا للطائفة او الطقس، وبعد ذلك ذهبت الى اسرائيل كي تتعمق اكثر في اليهودية على يد الحاخامات العتيقين، هناك، وتدرس اللغة العبرية بشكل جيد. و “تحج”

الا يقود ذلك الى التساؤل عن تاثير الترويج الاعلامي لهذه القصة على حركة الهجرة اليهودية، وعن سر تزامن هذه الزيارة الضاجة مع نداءات شارون الحالية لتفعيل الهجرة الى فلسطين؟

نداءات وصلت حتى الهند ؛ حيث تدور انباء عن استعدادات للبدء في تهجير يهودها، في الوقت الذي تحمل فيه الدراسات ارقاما بارزة عن الهجرة المضادة نتيجة الانتفاضة.

فاذا كان دفع يهود الغرب الى الهجرة قد اصبح صعبا بفعل الوضع الحالي، حيث ان هؤلاء الذين يعيشون في رخاء وفي استقرار وامن، لا يريدون ان يذهبوا الى جحيم الانتفاضة، اذن فليكون البديل امران :

الاول استبدال فكرة تهجير يهود الغرب بفكرة ربطهم اكثر فاكثر باسرائيل، عبر اكثر من وسيلة منها الحج السنوي اليها وما يترتب عن هذا الارتباط من دعم على كل المستويات.

والثاني التوجه نحو تجمعات يهودية اخرى في دول لاتتمتع لا بالثروة ولا بالرخاء ولا تقدم لابنائها اية ضمانات اجتماعية وظروف حياة مغرية، او افضل من تلك التي تقدمها اسرائيل.

ولكلا الهدفين تبدو هذه الضجة الاعلامية حول القبالة، مفييدة جدا، جدا، جدا….

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون