صورة فلسطين في السينما

صحيفة الدستور، 13-07-2004

لا ندري من الذي يخطط لنشاط معهد العالم العربي في باريس، لكننا ندري انه في كل مرة يتركنا مشدوهين امام حجم التخريب الذي يسوق له. عن وعي ام عن غير وعي لا ندري. فمن الفيلم الكارثة الذي قدمه منصور لبكي عن الحرب اللبنانية، الى مهرجان الشاعرات العربيات، الى حكاية الثقافة العراقية التي لم تسوق الا ليوضع على صفحتها الكتاب الاسرائيليون من اصل عراقي، وقد كتبنا عن كل ذلك في حينه الى مهرجان السينما العربية اخيرا وليس اخرا.

قبل التلفزيون وحتى قبل الراديو، كانت السينما منذ الاخوين لوميير وسيلة اساسية من وسائل الاتصال والاعلام.

واذا كان اليهود اول من وعى اهمية هذه الوسيلة على الصعيد السياسي، وبتحالف عتيد مع الاميركيين تمكنوا من تسويق الصور التي ارادوها عن العالم والى العالم.

فان حركة سينمائية تسجيلية وروائية حول فلسطين نشطت في السنوات الاخيرة، لتواجه بالحماس الذي لم يكن دائما على القدر اللازم من الوعي: وعي اهم ما فيه هو الانتباه الى طبيعة الجمهور الذي يتوجه اليه العمل السنمائي وبالتالي طبيعة الخطاب الذي يجب تبنيه والصورة التي ستتكون عند المتلقي بعد العرض، وعلاقة كليهما، الخطاب والصورة بالخطاب الصهيوني المعاكس والسابق. وبعبارة ادق : بالنسبة للخطاب : هل ان هذا الخطاب المتبنى قادر على الوصول والاقناع والتاثير في المتلقي؟ واي متلقي؟

وبالنسبة للصورة، هل ستكون هذه الصورة المتكونة دحضا للصورة التي تريد الاستراتيجية الصهيونية رسمها في وعي المتلقي؟ ام ستكون قادرة على الرد عليها ؟ سواء في المنظور التاريخي ام في المنظور الواقعي المرتبط بالحدث ؟

نماذج كثيرة تخطر في البال، وتحتاج المناقشة لكن اخر ما ضربنا منها هو فيلم حاز على جائزة المهرجان المذكورفي المعهد.

اول ما يضرب الذهن ان الفيلم لمنتج اسرائيلي واكثر من نصف العاملين فيه من الاسرائليين حتى ولو كان المخرج واكثر الممثلين من فلسطينيي الـ ،48 فكيف يصنف فيلما عربيا، وكيف يمنح جائزة مهرجان عربي؟

لكن الاخطر من ذلك مضمون الفيلم: اسرة من اب وام وفتاتين، تستقر في قفر خال ونفهم انها ابتعدت عن الناس لان احدى الفتاتين قد اغتصبت، على امتداد الفيلم، لا نرى الا حالة مرعبة من القسوة والعنف، من انعدام التواصل بشكل كامل لا بين افراد الاسرة ولا بينهم وبين اي مخلوق اخر، اناس بشعون، حاقدون، قساة، لا يتبادلون الكلام الا نادرا، وسخون، لا يعرفون اي نوع من انواع الحياة الحديثة او حتى البدائية الحلوة، اسرة بطريركية بالكامل اب مستبد قامع مرعب وزوجة واولاد خاضعون بخنوع وصمت غريب، حتى الراديو الموجود في المخزن او اداة القانون لا يتجرا الاولاد على استعمالها واذا فعلوا كسرها الاب السيد.

اما الارض حولهم فقفراء جرداء، وهم لا يحاولون ان يزرعوا فيها عرقا اخضر، كما نقول، بل العكس تماما، اذ ان الاب يؤمن معيشة اسرته بقطع الاشجار وتحويلها الى فحم، دون ان ينسى الفيلم ان يؤشر الى انه يفعل ذلك سرقة وخلسة كي لا يراه مفتشو دولة اسرائيل ويعاقبوه.

اما المجتمع فلا نراه ولا نعرف عنه شيئا الا صورة اشد قساوة تتمتل في اللقطة الوحيدة التي تشير اليه عندما يخرج الولد على بغلته فيصادرها منه الاولاد لتعود وقد كتبوا على جسدها اقذع العبارات المهينة له ولاخته المغتصبة. واذ تعجز الام عن غسل المكتوب، تستل سكينها وتسلخ جلد البغلة المسكينة، لتنتقل بنا الكاميرا الى لقطة مرعبة : بركة كبيرة من الدم عند قدمي البغلة والمرأة التي لا يرمش لها جفن.

اكاديمي فرنسي متقاعد من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية علق ونحن نخرج من القاعة: »هذا الفيلم يجعل المشاهد الغربي يقول ببساطة : هؤلاء هم الذين تريدون لهم دولة؟ ولماذا لاتحكمهم دولة اسرائيل علها تحضرهم قليلا؟ انصار البيئة سيكرهون هذا الفلسطيني الذي يقطع الشجر مقابل الاسرائيلي الذي يشجر. وانصار الحريات سيشحنون ضد هذا النظام البطريركي القميء الممتد من الاب الى السلطة. والنساء سيشتعلن غضبا ازاء هذا الاضطهاد الذكوري البشع وهذا الخنوع النسوي المستسلم للظلم بصمت مطبق حتى من قبل الام الزوجة. ودعاة الرفق بالحيوان سيرون في هذه المرأة الفلسطينية وحشا بشريا، والاجتماعيون سيرون ان هؤلاء الفلسطينيين لا يعرفون معنى الاسرة لا ولا الحارة او الحي او المجتمع .

والسياسيون سيقولون: هل رايتم ان نتنياهو على حق عندما يقول ان العنف والتخلف من طبيعة النفسية العربية؟ وان شارون على حق عندما يقول ان اسرائيل مضطرة للقسوة كي تدافع عن نفسها؟

احد المتحذلقين، قال ان لقطة ما في الفيلم قد توحي بان من اغتصب الفتاة هو جندي اسرائيلي، وفي ذلك تبرير لمضمونه.

التبرير تافه لان اللقطة المذكورة لم يلحظها معظم المشاهدين بما فيهم انا، وحتى لو كان فان ماخذا اخر يضاف والحال هذه وهو: كيف سيقاوم هؤلاء اسرائيل اذا كان تعرض مناضلة للاغتصاب سيؤدي الى كل هذا البلاء؟

واذا عدنا الى الاوروبيين فسيهزؤون من ان اغتصاب فتاة اهم عندنا من اغتصاب بلاد بأكملها.

اخيرا، وذاك هو الاهم : امراة فلسطينية كانت تصرخ عند الخروج: يا جماعة هذه صورة لا علاقة لها بالواقع، ليست هذه حياتنا، ليست هذه حياة الاسرة الفلسطينية، فلماذا هذا التشويه؟

واذا كان من الطبيعي ان يعمد المنتج الاسرائيلي الى التشويه فلماذا يمنحه معهد العالم العربي جائزة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون