كلنا بن لادن
كلنا تلك المذيعة السعودية التي ضربها زوجها حتى اودى بها الى المستشفى!
لا يريد لنا الغرب الا هذه الصورة السلبية، لا يريد لاية ظاهرة ايجابية من حياتنا ان تبرز الى دائرة الضوء.
وهؤلاء الذين يسمون انفسهم باحثين، وهم يمتلكون فعلا قدرات البحث، ويتنطحون للعمل على اكتشاف واقعنا، بل ويأتون الينا الى بلادنا ليدرسوها، لا يخرجون الا بكاميرات تسلط عدستها على كل ما هو سلبي وتكبره، والمصيبة الكبرى انهم لا يعدمون مأجورين محليين يساعدونهم ويقدمون لهم شهادات زور لا تلبث ان تعطى طابع الحقائق.
لم اشارك مرة في فعالية اعلامية او بحثية في اوروبا – وبقدر اكبر في اميركا – الا و صفعتني هذه الملاحظة، واستفزت الحاجة الى الرد وتصحيح الصورة ليجابهني السؤال بقوة : هل يمكن ان يتحقق ذلك بجهود فردية؟
ومن هي الجهات الجمعية التي يجب ان تتكفل به؟ وكيف؟
بالامس كان معهد العالم العربي في باريس يستضيف ندوة نظمتها الجامعة الاميركية هنا حول الاعلام العربي : الوسائل الجديدة وعملية التغيير انطلاقا من التربية.
الجلسة الاكثر سخونة كانت تلك المتعلقة بالفضائيات، والباحثون الذين تحدثوا فيها ركزوا بالطبع، وبشكل خاص على قناة الجزيرة.
نعومي صقر، الباحثة البريطانية التي برز اسمها كثيرا في المرحلة الاخيرة من خلال بحثين مهمين اصدرتهما في كتابين: الاول عن قناة الجزيرة والثاني عن المرأة العربية في الاعلام، قدمت ورقتها عن عملية التغيير وكان الملفت والمستفز في آن معا انها ناقشت نشوء الفضائيات وتأثرها في عملية التغيير دون ادراج ذلك في سياق سياسي محلي اقليمي ودولي، دون التوقف عند سؤال بسيط : لماذا بعد سقوط جدار برلين؟ لماذا بعد حرب الخليج؟ لماذا بعد اتفاقيات السلام؟ باختصار اية علاقة مع النظام العالمي الجديد ومع النظام الاقليمي الجديد؟
غير ان المستفز اكثر هو ذلك الحديث عن التغيير وكأن الفضائيات تشكل قطيعة كاملة مع كل ما سبقها على الساحة الاعلامية العربية، والقول التبسيطي المحور بأن هذه العملية ستفتح الباب امام المرأة العربية للتحرر ومناقشة قضايا حياتها الخاصة، حتى ولو دفعت ثمنا باهظا في البداية كما حصل مع المذيعة السعودية التي ضربها زوجها حتى الايذاء لانها تجرأت على طرح قضايا حساسة على التلفزيون.
هكذا وببساطة يشطب تاريخ الاعلاميات العربيات من بداية عصر النهضة والى اليوم، من روز اليوسف الى آخر صبية على ادراج التلفزيونات والصحف.
تشطب المذيعات الكبيرات اللواتي لم يكن يكتفين بقراءة ما يكتب لهن كما هو حال الكثيرات الان، بل كانت لهن برامج تهز الساحات الاعلامية والسياسية والاجتماعية. الم تكن ليلى رستم تثير الخوف لدى كل سياسي لبناني في السبعينات؟ الم تبدأ ليلى شرف مسيرتها الى وزارة الاعلام من مقعد مذيعة تلفزيونية للاخبار؟ الم تحفل الساحة المصرية بالكثيرات؟ الم تحتفظ امينة شفيق بامانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب لسنوات طويلة لم تتحقق لاي زميل؟
وحتى نحن جيلنا اللاحق، الم نكن كثيرات وبارزات؟
لماذا يراد لكل التجارب المشرقة ان تطمس ليقال ان الحرية جاءتنا مع المنّة الاميركية، وغدا سيقال مع السلام مع اسرائيل؟ وبالطبع مع مؤسسات التمويل الاجنبي التي تتبرع بانسانية كبيرة لانقاذنا من همجيتنا.
ولاجل ذلك يراد ان يسلط الضوء على البيئة الاجتماعية الاكثر ظلامية في مجال المرأة، وان تبتعد عين الكاميرا عن البيئات الاخرى التي شهدت ريادات المساهمات النسائية في كل مجالات الحياة.
فكما يراد لنا ان نكون كلنا بن لادن، كذلك يراد لنا نحن النساء العربيات ان نكون كلنا تلك التي يضربها زوجها حتى المستشفى.
ملفت مثلا في هذا السياق ان كتاب نعومي صقر عن المرأة الاعلامية، يحفل باسماء نعرف نحن اهل المهنة انها الا تعني شيئا على المستوى المهني، لكنها في غالبيتها تمثل مؤسسات التمويل الاجنبي، وقد اذهلني من بعض من اعرفهن مستوى الكذب، بل والتجرؤ على الكذب فيما قالته لي هذه الباحثة نقلا عنهن، كما ادهشني مستوى التباكي، فكلهن – وسبحان الله كن ضحايا مضطهدات ليس من قبل الرجل فقط بل ومن قبل الانظمة والمؤسسات الاعلامية، بما فيها النقابات، وحققن انتصارهن العظيم ببطولتهن الفردية وبمساعدة الاجنبي.
مسؤولية من ضبط هذا الانفلات الادعائي، الذي ينضم الى الجهل او القصدية الغربية لرسم ملامح صورة لاعلاقة لها بالحقيقة؟