غداة اعلان توسيعها توصف اوروبا في فرنسا بأنها تتقدم كبطة بدون رأس !
مع التوسيع تصبح اوروبا اليوم القوة الديموغرافية الثالثة في العالم ، بـ 450 مليون نسمة، والقوة الصناعية الثانية بعد الولايات المتحدة ، والقوة التجارية الاولى.
لكن هذا الثقل الثلاثي لم يجد بعد ترجمته على ارض الواقعين السياسي والعسكري، وبالتالي طريقه الى الفعل على الساحة الدولية.
الاسباب عديدة وفي مقدمتها ان هذا الكائن الذي اسمه اوروبا ما يزال في طور الولادة ، اول الولادة : المخاض لذلك هو لم يمتلك بعد القدرة الكافية على الحياة، بل انه يواجه خطر الاجهاض، ان لم تكن الولادة طبيعية أو لم تكن القابلة ماهرة!
ومن مظاهر ذلك ان الاستفتاء على الدستور الجديد الموحد يبدو الان امرا غير مضمون النتائج اكثر منه قي أي وقت مضى ، فاذا كان توني بلير قد وجد نفسه مضطرا الى اعلان الالتزام بطرح مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبي ، متحملا بذلك المخاطرة غير المضمونة ، فان جاك شيراك بدا في مؤتمره الصحافي الذي عقده غداة التوسيع اكثر ترددا في الاقدام على خطوة مماثلة، وذاك ما وصفه المحللون بانه نتيجة تخوف متعدد الجوانب : تخوف من ان يحول الفرنسيون ذلك الى اقتراع على قضية ضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي، او اقتراع على الحكومة نفسها، وفي الحالين لن يكون الجواب بنعم.
في الوقت نفسه لا يبدو الشريكان الاخران القويان غيرهارد شرودر وسيلفيو برلسكوني في وضع افضل بكثير ، ولا يبقى على الساحة قويا الا رئيس الوزراء الاسباني الجديد زاباتيرو.
سبب آخر لضعف يتمثل في الدائرة الكبيرة التي اسمها حلف شمالي الاطلسي، والذي يتم توسيعه على ايقاع واحد مع توسيع المجموعة الاوروبية، فداخل هذا الحلف الكلمة ليست للاقتصاد ، ولا للديموغرافيا او للتبادل التجاري ، وانما هي قبل كل شيء للثقل العسكري وهذا ما لا تستطيع اوروبا فيه قطعا منافسة الولايات المتحدة، مما يفسر محاولات التململ التي تقوم بها اوروبا والمتمثلة في تشكيل قوة اوروبية داخل الحلف، وردة الفعل الاميركية الحادة والحاسمة على هذه المحاولة.
لقد كان الحلف يوما وسيلة لحماية اوروبا الغربية من مد الكتلة الشيوعية، وها هو يتحول اليوم الى طوق حديدي حول عنق اوروبا الغربية نفسها ، حذاء صيني يمنعها من التحول الى قوة مستقلة قادرة على ان تشكل قوة موازية موازنة للولايات المتحدة.وتحولت دول اوروبا الشرقية التي كانت اداة قوة في يد الاتحاد السوفييتي ضد الغرب الى اداة قوة بيد الولايات المتحدة ضد اوروبا الغربية، يزيد في خطورة الوضع انها اداة من الداخل هذه المرة.
السبب الثالث هو هذا المعبر عنه ببطة بدون رأس ، فما من قوة دولية تستطيع فعلا ان تتحرك بدون رأس ، واذا كان المحور الفرنسي الالماني هو الذي كان مرشحا للقيادة ، فان المشاكل الداخلية وفي مقدمتها الاقتصادية قد اضعفت كلا من جاك شيراك وغيرهارد شرودر ، وعندها بدت الاستعانة خلال العام الماضي بطوني بلير من باب الخشبة التي تنقذ الغريق لكن الخشبة كانت غارقة اكثر ومشروخة، وغير خارجة عن دائرة النفوذ الاميركي خاصة بعد التورط الغبي في حرب العراق.
هل يعني ذلك ان الحلم الاوروبي محكوم بالاعدام، ومعه حلم العالم بالتوصل الى توازن جديد مع القوة الاميركية السكرى بتفردها ؟
لا بدون شك ، ولكن ما من احد يستطيع ان يقدر الزمن الذي سيستغرقه هذا المخاض الصعب، خاصة اذا لم ينطلق الزعماء الاوروبيون من حقيقة تنطبق على أي زعيم سياسي في أي مكان من العالم، وهي انه لا يستطيع ان يكون قويا على الساحة الاقليمية والدولية ان لم يكن قويا على ساحته الداخلية.
واذا لم تحصل تغييرات اخرى على مستوى العالم ، فاوروبا والولايات المتحدة ليستا وحيدتين على الكرة الارضية ، فثمة اسيا وصين وثمة روسيا ، وثمة عالم عربي يمنح بنفطه وانظمته الفاقدة الشرعية – الا شرعية ذيل التنورة الاميركية – يمنح هذه القوة الاكثر رعاية له.