مزعجون!!

صحيفة الدستور، 12-05-2004

على الناس ان يتركوه يقوم بعمله!

هكذا قال ديك تشيني عن دونالد رامسفيلد، نائب الرئيس متأفف ومنزعج لان هؤلاء الناس المزعجون يتدخلون في عمل وزير الدفاع وجنوده، فما معنى ان يعذب عراقيون؟ الامبراطور مارك اوريليوس يأمر بصب الرصاص في حلوق الاسرى من البرابرة، لمجرد كونهم برابرة؟ اوليس هؤلاء العرب من البرابرة الجدد الذين لا يدخلون في عداد رعايا الامبراطورية المتحضرين الى حد الاستمتاع بتصوير ممارسات التعذيب للاحتفاظ بالذكرى؟

ولماذا يتدخل هؤلاء الناس في عملهم ؟ الناس في العالم العربي، او الشعوب الناطقة بالعربية، كما اصر على ان يسمينا دانيال باييس في مناظرته معنا على قناة الجزيرة، حتى بعد ان حاول غسان بن جدو بتهذيبه المعهود ان يصحح له؟

الناس في العالم العجوز، من اوروبا العجوز الى اسيا الاكثر عجزا، بل وحتى الناس داخل الولايات المتحدة الاميركية : من يحتج منهم على هذه الممارسات بناء على التزام اخلاقي حقيقي، ومن يحتج لفضح ادارة تشكل خصمه في المعركة الانتخابية المقبلة.

كلهم مزعجون، ويعرقلون عمل وزير الدفاع الذي اّمن للشركات النفطية شفط نفط العراق كما لم يحلم اربابها يوما.

الم يقل جورج بوش في الذكرى الاولى للاحتلال ان صادرات النفط العراقية فاقت في هذه السنة كل التوقعات؟

كذلك امّن لشركة هاليبرتون احتكار تموين الجيش من العقود الهائلة التي تأخذها بالمليارات وتلزمها للعرب ببضعة ملايين؟

اوليس بوش رب شركات النفط ؟ وتشيني رب هاليبرتون ؟ وكونداليزا رايس اسم للمستشارة ولناقلة النفط في ان معا؟

فهل للعراق رب يحميه، وادارة اليمين المهوّد للمسيحية تقوم بكل ما تقوم به باسم الرب؟

هل نتذكر ان جورج بوش لم يصل الحكم الا بحكم محكمة لا يدري احد كيف شكلت وركبت، لكن يمكن لكل حصيف ان يدرك ما الذي كان ثمن حكمها لصالحه ؟ اذن فان تدخل المزعجين في عمل الوزير قد يعرقل امرين : يعرقل الاسراع في النهب والتدمير قبل انتهاء الفترة الرئاسية، ويعرقل امكانية تجديدها لصالح بوش وفريقه.

على الناس ان يتركوه يقوم بعمله ليكمل وبسرعة عملية تهويد العراق واسرلته من الدستور الى الوزارات الى المناهج الى تدمير التراث الاثري والحضاري الى نشر الموساد في كل مكان الى …. اعتماد ما رأيناه من عمليات التعذيب بالاساليب الاسرائيلية ذاتها.

على الناس ان يتركوه، وعلى الفصحاء عندنا ان ينبروا لفتح الفم دهشة واعجابا بالديمقراطية الاميركية التي جعلت جنرالا يجلس امام الكونغرس، ولمقارنتها بانظمتنا وجنرالاتنا، دهشة لم تنتبه الى ان كل ما فعله الوزير والجنرال هو الاعتراف الوقح بالمسؤولية مع الحرص على البقاء في مواقع المسؤولية، لينبري من بعد ذلك كل اركان الدولة للدفاع عنهم.

الازمة الاميركية عميقة ومزلزلة، لكن ازمتنا نحن اعمق وفي مكانين اخرين:

انظمة مسكونة بشراسة الخوف والرعب، خوفها على نفسها ورعبها من الراعي الاميركي الذي تستمد منه مشروعيتها، وشراستها ازاءنا نحن عباد الله المبتلين بها.

ونخب -اذا كان لهذه الكلمة من معنى- اصاب العمى بعضها، وجرتهم رائحةالضبع، وتعودوا على الا يحددوا انفسهم الا ازاء هذه الانظمة، فلم يعد بامكانهم ان يحددوا مواقفهم بناء على حركة الشعب، وضمير الناس.

وكلا هذين الطرفين عاجز ان يرى المأزق الاميركي – البليري (نسبة الى طوني بلير) او لا يريد ان يراه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون