بينما يشد جورج بوش رحاله استعدادا لجولات عالمية يحاول فيها ان يكسب شيئا من التأييد لاستراتيجيته التي تتمرغ في وحل العراق، تحاول اجهزته الامنية ان تفجر وضعا هنا، كما هو الحال في لبنان، وان تشدد الضعوط هناك، وان تسترضي في مكان آخر، بينما يقف مشروعها على عتبة مجلس الامن، احوج منه في أي وقت مضى الى دمغة الشرعية الدولية، وكما لم يكن عليه الحال مع قرار شن الحرب على العراق.
امام هذه الورطة الاميركية، لاتبدو اوروبا اليوم وخاصة فرنسا حريصة على مسألة القيم بقدر ما كانت تعلنه قبل الحرب، كما لا تبدو الادارة الاميركية قادرة على ان تعيّر القارة العجوز بكبر سنها، فيما يؤهل الحليفين التقليديين للاقتراب واللقاء.
حليفان متنافسان أم عدوان مقنعان بالتحالف؟ هذا هو السؤال الخطير الذي يطرح الان بالنسبة للعلاقة الاوروبية – الاميركية، اذ ان المعادلة الستراتيجية تجعل من الاعداء المباشرين، خاصة نحن العرب، ادوات – ضحايا في الصراع بين عملاق يريد الحفاظ على تفوقه وتفرده، وعملاق ناشىء يريد المشاركة ان لم يكن التفوق.
في ضوء هذه المعادلة البسيطة تفهم مختلف جوانب العلاقة بينهما، خاصة فيما يتعلق بالمسالة العراقية. فمنذ ان تأكد عالميا ان الولايات المتحدة ستذهب الى الحرب، رغم كل المعارضات وحتى بدون غطاء الشرعية الدولية، منذها بدأ الاوروبيون والفرنسيون على وجه التحديد تحركهم غير العسكري على الساحة العراقية، وكانوا – بدهاء العجائز- يعرفون ما ستؤول اليه حال الاحتلال، فأخذوا يهيئون انفسهم للحظة قادمة. اللحظة جاءت الان، وواشنطن الان في عز مأزقها وعز احتياجها لقرار تستطيع فرنسا ان تعطله بفيتو تملكه في مجلس الامن، لذا فانها، ومن موقع المتفضل المقتدر تفرك يديها فرحا وتشفيا، وتضع مطالبها على الطاولة، طرحا لم يكن حوار وزير الخارجية ميشال بارنييه لصحيفة لو فيغارو الا ليفصله بالتحديد المباشر : إعادة الاعمار وبناء قوى الامن. وفي اعادة الاعمار تفصيل واضح: الاتصالات، المصادر الطبيعية، البيئة، المياه، الكهرباء…
هكذا وببساطة يطلب الحليف الخصم حصته ثمنا لعدم وقوفه حائلا دون الانقاذ الدولي لادارة مأزومة، ويتحدث الخبراء عن عقود لتوتال كانت غير منجزة قبل اندلاع الحرب، في مقابل عقود اخرى منجزة لصالح روسيا والمانيا.
هكذا يدلل علينا »الاصدقاء!« والاعداء على حد سواء وينشط الكل في ادارة اللعبة الا نحن.
اهو شلل ام شيء اكثر من الشلل؟ ام هو غياب القيادات التي تحمل هي الاخرى صفة العجائز، ولكن الخرفة. غياب تركنا شعوبا يتيمة تتحرك وتضحي وتناضل، لكن دون ان يكون هناك من يحمل صفة التحدث رسميا باسمها الا ليقدم تنازلات من حقوقها حفاظا على كرسيه.
في تونس خسرنا امرين – قال لي احد المثقفين العرب هنا في باريس – : الاصلاحات والكرامة واحدة بثمن الاخرى، دفع هؤلاء الرؤساء ادانة النضال الوطني، وازاحته الى خانة الارهاب، وقبضوا ثمن ازاحة قضية الاصلاحات، في الحالين دفعنا نحن الشعوب، وقبض الثمن ديكتاتوريونا واسرائيل.
والان في العراق سيضطر الاميركيون لان يدفعوا شيئا لاوروبا ثمنا لعدم تعرضها لاحتلالهم وفي الحالين يدفع من مال العراقيين وكراماتهم ثمن احتلالهم. ليقال لنا بالمقابل انه اصبح للعراق حكومة، حكومة ينطبق عليها ما قاله كرومر عندما سئل : هل ستحكم مصر؟ اجاب : بل سأحكم من يحكم مصر.