تركيا واسرائيل: نهاية ام زوبعة عابرة؟

صحيفة الدستور، 12-05-2004

كثيرة هي التفاصيل الملفتة في الازمة التركية ذ الاسرائيلية التي تطل بوادرها عبر قضيتي تسليح الجيش والمياه، الا ان نقطتين اساسيتين تستحقان التوقف عند المقاربة الاولى: مسألة الفارق المالي الناجم عن تحويل عقود تسليح الجيش الى الشركات المحلية، ومسألة المياه.

فقد اعلنت الحكومة التركية ان تحويل العقود التي كانت موقعة بين الجيش وشركات اسرائيلية و اميركية وروسية تتعامل مع اسرائيل: أي اسرائيلية مباشرة واسرائيلية غير مباشرة، سيوفر على الخزينة التركية من اربعة الى خمسة مليارات دولار. ولم تترك السلطات مجالا للتساؤل حول سبب ابرام صفقات بهذا السعر المرتفع مع شركات اجنبية في وجود شركات محلية قادرة على التنفيذ بسعر اقل، اذ كشفت النقاب عن رشاوى تلقاها ضباط ومسؤولون من رجال الاستخبارات الاسرائيلية لتأمين ذلك.

هذه الواقعة تجعلنا نتساءل بمرارة حول امرين: الاول والذي يتبادر فورا الى الذهن، هو كيف تتم ترجمة هذا المسلك على ساحاتنا المحلية العربية ؟ كم هو عدد الصفقات الذي يبرم لصالح شركات اجنبية او اسرائيلية بالوكالة ووراءها نهب مبرمج لرأس المال الوطني، في حين تحرم شركات محلية من الافادة ؟

واذا كان هذا السؤال ينطبق الان على مجمل العالم العربي، فان الوضع الاكثر صرخة هو العراق المطروح على ارض الاغتصاب والنهب، فليس سجناء وسجينات ابو غريب هم من يتعرض للاغتصاب فحسب وانما العراق بكله.

النقطة الثانية هي تلك المتعلقة بالمياه، وهنا يصل بنا الامر ايضا الى العراق، فهل ان تركيا هي التي استنكفت عن بيع المياه الى اسرائيل ام ان اسرائيل هي التي لم تعد مهتمة كثيرا بالموضوع وقد وصلت يدها الى الرافدين ؟

وهل لذلك علاقة بما يحصل على الطرف الاخر من الخريطة حيث تطالب بعض الدول بانهاء الوضعية التي تعطي لمصر حق رئاسة لجنة الدول المطلة على النيل.

قضية دول النيل وقضية مياه تركيا وما اطلق عليه اسم »انبوبة السلام« وقضية مياه العراق، هي ما شكل مضمون الصراع الذي تجاوز النفط الى مسألة تشكل عصب حياة اخطر من النفط.

في العام 1991 وبعد حرب العراق مباشرة نشرت الاهرام ان مركز دراسات مختصا بالياه في اسرائيل يرأسه ابو القنبلة الذرية الاسرائيلية وتديره الباحثة كوليت سرايا قد اعد ما يزيد عن ثلاثمئة خطة ومشروع متعلق بالمياه، وبعدها صدرت مجلة الاكسبرس الفرنسية بعدد خاص عنوانه: »الان بدأت حرب المياه« تضمن قراءة لهذه المشاريع ولمشاريع اخرى في السياق ذاته.

علما باننا كلنا نعرف بان حرب المياه لم تبدأ في التسعين وانما منذ نشوء دولة اسرائيل، وماتزال المياه الرهان الاساسي في التصورات الخاصة بالضفة الغربية بلبنان وبالجولان وبمصر.

اليوم وبعد احتلال العراق اصبحت اسرائيل على الحدود التركية، واصبحت مياه الرافدين تحت سيطرة اميركية ذ اسرائيلية، وشلت يدا مصر عن خصر النيل، فاي مستقبل جاف وقاحل يتهددنا ؟

وهل بدأت تركيا تشعر بان التحالف الستراتيجي مع اسرائيل لن ينتهي الى مصلحتها لانها بنظر هذه الاخيرة تظل دولة مسلمة، خاصة في ظل الوضع الناشىء في العراق ؟ ام انها زوبعة في فنجان لا تلبث ان تنقضي خاصة مع حاجة تركيا الى الدعم اليهودي لتأمين الانضمام الى اوروبا الموحدة ؟

 

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون