المقاومة بين الاحباط والامل

محاضرات - ندوات، 08-05-2004

المنتدى العربي – عمّان، الأردن

حياة الحويك عطية

للشعوب كما للافراد اكثر من ذاكرة، بل لنقل ان في الذاكرة اكثر من جيب ومن تجل: ذاكرة التواريخ وذاكرة الصور. تواريخ ان قراناها لم نقرا تايخنا قحسب بل وامكننا ان نقرا مستقبلنا، وصور ان استعرضناها راينا هذا الماضي وهذا المستقبل في مراة واضحة.

كثيرة في سجل أي واحد منا نحن هنا، واي عربي اينما كان تلك التي تتدافع للخروج الى دائرة الرؤيا واحاول ان استل البعض القليل، لاكون صورة:

1973 وانا ازور للمرة الاولى الجنوب اللبناني، انا الشمالية التي تربت ضمن دائرتها المارونية المحدودة الى ان فتح الانتماء السياسي عينيها مرة واحدة على افق مذهل الرحابة، أي جنوب مهمل متروك لمنطق لم يخجل وزير من نقله لي، كمن يسر بحقيقة ” ماهو الجنوب الهم… لماذا نصرف عليه وسياخذونه!”

منطق كان يترجم علنا بمنطق “قوة لبنان في ضعفه!” زيارتي الثانية جاءت للمشاركة الحزبية في تشييع شهيد قرر مقاومة الاسرائيليين المتسللين الى حقله ببندقية صيده الخاصة وتمكن ان يثبت بها سبع ساعات قبل ان يستشهد. كثيرون قالوا عنه يومها انه مجنون ….كان اول الاستشهاديين الذين عمدوا الجنوب لبنانيا.

1976… واتحول الى واحدة من القطرات المنفلتة من الخاصرة النازفة بيروت… ويبدو للجمبع ان الرقص الهستيري فوق جسد الوطن لن يترك مجالا حتى لتبين فصيلة الدم.

1982… تضربني انباء الاجتياح الاسرائيلي وانا في موقع مؤتة جنوب الاردن، حيث كنت اعمل على كتاب يحاول عبر الاركيولوجيا ان يرد على الادعاءات اليهودية في بلادنا.

مؤتة!! أي قدر واية دلالة!! ساحة اول معركة للسلام خارج الجزيرة… ساحة استشهاد عبد الله وزيد جعفر وانسحاب خالد بن الوليد بمن تبقى…. هناك انسحب خالد ليعود الى اليرموك!

1984 تتحقق الدلالة، ومن ركام الموت والدمار والوعد الاسرائيلي باجيال لبنانية من المجرمين والقنلة والعملاء يخرج مشعا بهيا وجه وجدي الصائغ و سناء محيدلي ويولا عبود وعمار الاعسر، وتكر المسبحة… واذا المراة التي حطموها فتاتا تلتئم قنديلا من الكريستال.

كثيرون لم يؤمنوا ، كثيرون نعتوها بالظواهر الفردية ، كثيرون ترددوا في نعتهم بالشهداء …لكن الظاهرة تكرست وتماسست ونمت الى ان اثمرت ، موسما لم يصدفه احد .

2000…نهاية القرن ونهاية الاسطورة الاسرائيلية اسطورة الجيش الذي لايقهر ..

بين هذه التواريخ اللبنانية …قبلها وبعدها ملحمة طويلة على الارض الفلسطينية ، هي التي غذت حلم المقاومة اللبنانية وهي التي عادت فغذت منه نارها التي شبه للبعض انها اطفات على صليب اوسلو .

وبين هذه التواريخ تسقط بغداد مرارا تحت صليبها المحمول نحو الجلجلة الى ان تمدد وتسمر عليه احتلالا و ترتفع عليه مقاومة لا بد وان تؤدي الى قيامة !!

هل يملك واحدنا الحق في ان يكون حاسما في تفاؤله وايمانه الى هذا الحد ؟ هل يحق لي انا التي امضيت العمر من حافة الجرح الى حافته الاخرى انتقل ، ان اتحدث وكانني لا ارى الالام والدم والنار والعذابات ؟

ان اراهن على مستقبل قد لا اعيش لاشهده ؟

لكن هل يجوز لي ان افعل العكس ؟

هل يجوز لمفكر ان يقرا التاريخ كما تقرا الصحف اليومية ؟

نعم نحن الان تحت لاحتلال ، ونحن الان تحت سطوة انظمة قمعية فاسدة متواطئة مع الاحتلال ، ومن اخطر وجوه تواطؤها حالة التخلف والجهل والفقر التي رمت شعوبها فيها ، ولكن ذلك كله لا يشكل عذرا للاستسلام ، فمن اين نبدا؟

قدرنا ان نقاتل على اكثر من جبهة:

الجبهة السياسية المباشرة: ربما تكون الاسهل

قراءة جيوستراتيجية للوضع الراهن: القوة الاميركية ومكامن الضعف: قلق البداية ام خوف النهاية (هنتنغتون: نلعب بالنار) روما وقرطاج (بول كنيدي: صعود وسقوط الامبراطورية) (جان بيير شفينمان: فكرة معينة..)

قراءة للتوازنات الدولية

قراءة للاوضاع العربية الداخلية. المعادلات السياسية بين الانظمة والشعوب- خطورة التمييع

المد والجزر بين التيارات القومية واليسارية والدينية (المتجدد منها والمتحجر) أي اسلام واي فكر قومي؟

ضرورة المراجعة

على الصعيد الفكري الثقافي: محاربة التيئيس ( جابوتنسكي )- التنوير – العلاقة بين الانفتاح والتجذر –– الالتفات الى خطورة ما يجري على صعيد المناهج التربوية – الاعلام – الساحة الثقافية ( التتفيه والحرب على ما هو جوهري – ربط المثقفين بمراكز قوى خفية – استغلال مواضع الحساسية والضعف- الدس ) – عملية استئصال الذاكرة – حرب المفاهيم (الكواكبي)

التعامل مع الخارج: العلاقة (المعرفة – الكرامة – روح العصر لا روح المسايرة – صياغة الخطاب)

الحوار = معرفة – اعتراف – تحاور : فاعلين لفعل واحد . اين نحن من ذلك؟)

ترك التفاصيل حول الوضع في العراق وافلسطين الى المناقشة.

ذاكرة الصور !

كم يظل جرحنا طازجا!

كي يظل غضبنا طازجا!

ممنوع علينا التقاط الانفاس، ممنوع علينا مدى الحزن لان حزنا اخر يعقبه.

افهل يمنع ذلك الامنا من ان تنضج ام انه ينضجنا بشكل افضل؟

مبارك هو الغضب، مبارك هو الانتساب الى ترجمة الغضب، ومخجلة سيقاننا كلنا امام اشلاء كرسي شيخ مقعد، لان الاعاقة الحقيقية في القلب لا في الاطراف، في الايمان لا في الكلام، في الشجاعة لا في السفسطة!

اين الامنا من هموم شعوب الارض؟ كيف لهم ان يفهموننا؟

في جلسة مناقشة جامعية، نحاول ان نجد تطبيقا لنظرية تقول بان الجواب على سؤال بسيط، واحد، هو بمثابة قراءة لتاريخ الشخص المجيب ولتاريخ مجتمعه: ما هي الصور التلفزيونية المهمة التي تجدها الان عالقة بذهنك منذ الطفولة؟

واجابات تحملني وتلقي بي انا المشدودة الى اخر صورة رايتها لجريمة غزة هذا الصباح.

من المشاركين من يذكر صور انتخابات ذهبت بذاك وجاءت بذا، ومنهم من يذكر صورة كارثة بيئية، ومنهم من يذكر صورة انجاز فضائي، ومعظمهم يذكر صورة برجي التجارة.

كم يظل جرحنا طازجا!

ومن ذهني لاتقفز الا صورة متكررة للسيارات المفخخة التي كانت طوال سنوات تسمر عيني على التلفزيون بحثا عن وجه من وجوه اهلي في احد احياء بيروت، صورة سناء محيدلي، صورة اغتيال يحيى عياش، صورة اعتقال مروان البرغوتي، صورة لا اسم لها جعلتها الفضائيات العربية مالوفة لنعش مكشوق وناس تهتف وتطلق النار في الهواء، صورة سقوط بغداد التي ضن علينا المخرج الهوليودي اليهودي برؤيتها الا رمزيا عبر سقوط تمثال صدام حسين، لمعرفة عميقة بان سقوط المدينة لا يختلف في المه اثنان اما سقوط التمثال فيختلف حوله الكثيرون. خاصة العراقيون، صورة اسر الرئيس العراقي التي لم تكن الا اسرنا نحن، صورة الرئيس الفلسطيني وهويصرخ من داخل سجنه الاسرائيلي في رام الله… واخيرا وبما لا يقارن بها كلها صورة الكرسي الذي تفجرت اشلاؤه صرخات ادانة لكل عربي دب على ساقين.

هو تاريخي الذي ترسمه ذاكرتي التلفزيونية، واين منهم ذاك البسيط المختزن في ذاكرتهم، فكيف لهم ان يفهموني؟

هو تاريخي الذي يضربني بهباء البحث عن حل خارج الذات وخارج المقاومة.

تاريخي الذي ان تخللته صورة اخرى مختلفة عن كل ما ذكرت، فانما هي صور تحرير الجنوب اللبناني، على يد المقاومة.