توسع ! نعم ..تعميق! لا…

صحيفة الدستور، 12-04-2004

هل سيأتي توسيع اوروبا لمصلحة اوروبا نفسها؟ ام لمصلحة الولايات المتحدة الاميركية؟ واين مصلحتنا نحن العرب كل ذلك ؟

»كلما اتسعت اوروبا اتسعت ابتسامة واشنطن« بهذه العبارة التي افتتح بها محلل سياسي فرنسي تقييمه للتوسع الاوروبي وللدستور الموحد القادم تتشكل احدى وجهات النظر التي تمثل ردا على هذه الاسئلة.

لكن ثمة وجهات نظر اخرى اكثر تفاؤلا، ليست هي باي حال وجهة النظر الاميركية. الباحث الاستراتيجي السياسي الاميركي القريب من الادارة الحاكمة، جون هولسمن، يعتبر ان عملية توسيع اوروبا ستمكن واشنطن من استعمال علاقاتها القوية مع دول شرق اوروبا وبعض الدول الاسكندنافية لتحقيق التوازن مع المحور الفرنسي الالماني الذي تصفه واشنطن بالهيمنة، وتخشاه بحسب تعبير هولسمن.

لذا فان اصحاب هذا الراي يرون ان على واشنطن ان تقاتل لادخال تركيا ايضا، وهذا ما قصده جورج بوش نفسه عندما قال: »يجب ان يكون لكل الديمقراطيات من البحر الاسود الى البلطيق الحظ في الحرية والامن« دون ان نفهم لماذا لا تكون الحرية والامن الا بالانضمام الى المجموعة الاوروبية.

دون ان ننسى ان المرشح التالي لهذه العضوية المفلوشة هو اسرائيل التي يحقق وجودها الاجهاز الكامل على محاولات الانفصال عن واشنطن، بل ويقلب الميزان كليا لمصلحة هذه الاخيرة وضد مصلحتنا نحن.

جورج بوش لا يرى عملية توسيع اوروبا منفصلة عن عملية توسيع الاطلسي، التي ستؤدي ليس فقط الى حشر اوروبا في الجيب الاميركي، وانما تؤدي ايضا الى تطويق روسيا والصين واية قوة اخرى يمكن ان تنشأ من محور جديد او من تفعيل محور قديم.

من هنا تريد الولايات المتحدة لاوروبا ان تصبح قطبا واسعا، ولكن دون ان تصبح قطبا قويا او قطبا منافسا.

القوة! واضح ان واشنطن تقطع عليها الطرق والمنافذ وليس ادل على ذلك عسكريا من معارضتها الشديدة لبرنامج غاليليو، للاقمار الصناعية الاوروبية، وكذلك لمشروع انشاء هيئة اركان اوروبية مستقلة، قبل اشهر.

اما المنافسة فهي تشمل هذا الجانب العسكري، لتتعداه الى عدة جوانب اولها السياسي والاقتصادي، وفي هذا الاخير ياتي احتلال الولايات المتحدة لمنابع النفط الضربة القاصمة لفكرة التوازن الدولي التي تقودها فرنسا والمانيا وروسيا.

واذا كانت الصين تشكل حجر ثقل في هذا الموضوع، فان اعطاء فرنسا اولوية ديبلوماسية لعلاقاتها مع الصين هذا العام الذي اعلن عام الصين في باريس، وتخللته زيارة الرئيس الصيني الى العاصمة الفرنسية، قد ترافقت مع التدخل الاميركي الشديد للحؤول دون التصويت على رفع قرار حظر بيع الاسلحة الاوروبية الى بكين.

شبكة من الموازنات والضغوط التي لا يمكن فهمها الا في اطار فهم تحول اساسي في الاستراتيجية الاميركية، نجم عن انتهاء الحرب الباردة.

فمع انتهاء هذه الحرب لم يعد الزواج الاميركي الاوروبي ذا اهمية، واصبح لواشنطن ان تتجه الى عرس جديد، على رمال الصحراء وفي حدائق الشرق الاوسط الكبير حيث الارض العذراء المغرية بالخصب.

لم تعد اوروبا العجوز ضرورة للزوج الاميركي الشاب المترف والمفلس في ان معا، واصبحت امامه عروس شابة وثرية، ليس مهما له انها لا تريده لا هي ولا اهلها، لانه قادر على ان يغتصبها ويجبرها على الزواج بعد ان يقتل كل اهلها او من اصر منهم على الرفض.

وكي تتحقق هذه الاستراتيجية يجب الا يكون هناك من هو قادر على المشاغبة او التدخل او العرقلة، بدءا من المنافس الاشقر، الى المنافس الاصفر، الى الدب الابيض الذي قدرت كونداليزا رايس انه يحتاج الى خمسين سنة ليستعيد عافيته ويصبح قادرا على المنازلة من جديد.

واذا كان الاوروبيون غير غافلين عن هذه الحقيقة منذ شارل ديغول، وحاولوا ان يلتفوا عليها بانشاء وحدتهم، فان الحل الاميركي يتمثل في تقويض هذه الوحدة من الداخل، تقويضا لا يعني منعها من التحقق وانما على العكس دفعها الى التحقق في اطار واتجاه يخالفان تماما الفكرة الاساسية التي كانت وراءها، والهدف الذي بنيت لاجله.

توسع دون تعميق.

تسهيلا للربط بالعجلة الاميركية.

اليس هذا هو شعار ثقافة المرحلة الاميركية كلها؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون