في ندوة شاركت فيها باحدى الاذاعات الفرنسية، كان السؤال الذي يثير فضول المشاركين والمستمعين هو : مقتدى الصدر.
هكذا وبسرعة يوم واحد نسي المهتمون حتى هنا في الغرب اسم مجلس بول بريمر، الذي اعطى نفسه اسم مجلس الحكم الانتقالي، ليوهم بانه سيكون انتقاليا بين لحظة الاحتلال وحكومة اخرى يعينها الاحتلال، دون ان يدري انه سيكون الانتقال بين الاحتلال والانتقاضة العراقية.
ولكم تمنيت لو انني كنت قد قرات نبأ يقول ان اهل الفلوجة قد وزعوا بيانا في مدينة الصدر يقولون فيه انهم مستعدون للقتال تحت راية الزعيم الشيعي، لان ذلك يقدم ببساطة الدليل على ان الفرز الحقيقي في العراق، كما في بلد محتل أخذ في الاستقرار بين حالتين، لم تتغيرا منذ اول احتلال في التاريخ : المتعاونون والمقاومون، ولا ثالث لهما.
هكذا تتآكل المنطقة الرمادية، ويأتي تآكلها تحديا باهرا رهيبا لكل الجهود الجبارة المجرمة التي عملت على تقسيم البلد الى حالات اخرى، خاصة الحالتين السنية والشيعية، فها هم سنة يتعاونون ويدخلون مجلس الحكم، وسنة يقاومون ويعيشون هذه اللحظات وانا اكتب عنهم من قارة اخرى، تحت هول الغارت الجوية التي تمطرنا بالديمقراطية، حتى تلك المحرمة دوليا.وها هم شيعة متعاونون ويأتمرون ببريمر وشيعة يقاومون ويموتون بالعشرات ويلهبون الارض تحت اقدام المحتلين.
وها هو العراق، تمثل حقيقته بمقاوميه لا بمتعاونيه، بالذين يشترونه بدمائهم لا بالذين يبيعونه ويبيعون انفسهم بدولارات ومنصب واستقبال السيد للعبد الذي يستكثر على نفسه الجلوس في حضرة سيده.
هكذا يحل الفرز الحقيقي محل الفرز الطائفي والجغرافي الذي يخطط له دهاقنة الصهيونية الاميركية، وبهذا يكون الرد الافضل على طروحات تقسيم البلد واشعال الحرب الطائفية فيه.
في غد قريب، قد تفشل هذه الانتفاضة العراقية، وقد تتم تهدئتها بالقوة او بالتفاوض، وقد يحصل التآمر عليها حتى من الشيعة انفسهم، وقد يعتقل الاميركيون الزعيم الشاب ويحاكمونه مع صدام حسين، لكن ثمة غدا آخر، ستشتعل فيه انتفاضات وانتفاضات، ونيران ونيران ومقتدى واسماء اخرى، لن يفيد فيها اطلاق لقب الارهاب على المقاومة، ولا اطلاق صفة الخارج على القانون على ثائر شاب لم ينس في لحظة انه ينتمي الى الحسين، كما لن يفيد فيها خطاب جورج بوش المتغابي والمستغبي للمستمع في قوله السوريالي ان تمرد هؤلاء العراقيين يعيق الديمقراطية في العراق. ديمقراطية الجيش المحتل ام ديمقراطية عشرات الاف المرتزقة الذين جاؤوا يحملون تخصصهم الاجرامي ويستثمرونه بدم العراقيين، بثرواتهم التي يتقاضون منها اجورا لم يحلم بها علم عربي يوما.
انه قدر التاريخ، يبدو ان لقطاء التاريخ لا يفهمونه.
واذا ما قاتل التاريخ مع مقاتلين، اعطاهم من مداه نفس الاستمرار.