قالوا لهم انهم ذاهبون لحماية مرقد الحسين وعندما اكتشفوا انهم ذاهبون لقتل اهل الفلوجة تمردوا ورفضوا.
واضح من الخبر، حتى لمن لا يعرف التفاصيل ان هؤلاء الجنود البررة الذين يشكلون ما يسمى بالفرقة 36 هم من الشيعة او ان غالبيتهم كذلك، بدليل اغرائهم بحماية مرقد الحسين، وبدليل آخر كشفه اهاليهم وهو ان الاميركيين نزعوا عن هؤلاء ثيابهم العسكرية والبسوها لجنودهم المهاجمين للفلوجة ليوهموا الناس هناك ان هذه الكتيبة هي التي تهاجمهم.
غاية لا تخفى على ساذج: افتعال بذور حرب اهلية بالقوة، وتحويل جزء من كراهية الاميركيين الى كراهية ضد طائفة اخرى من ابناء الشعب.
لكنه افتعال ساذج يندرج ضمن سياق الغباء العام الذي تدير به هذه القوة الغاشمة الامور في العراق.
منذ البدء راهنوا على الحرب الاهلية، وسقط الرهان، وراهنوا على استقطاب الشيعة وسقط الرهان، وراهنوا على اللعب على وتر ان المقاومة فعل بقايا نظام لا يريد العراقيون عودته، وسقط الرهان.
فهل من المعقول ان تكون الانتلجنسيا الاميركية الرهيبة على هذا القدر من ضعف التقدير؟
ام ان اللوبيهات المسيطرة على هذه الانتلجنسيا نفسها غير معنية بالدرجة الاولى بنجاح هذه الرهانات لان ثمة رهانات اخرى تكتسب الاولوية، وتتمثل في ثلاثة: الرهان الصهيوني، وهو ما يتمثل في ابعاد العراق عن دائرة المواجهة القومية، وادخاله تحت هيمنة التهويد باختراق جميع فعالياته وعلى مختلف الصعدـ كما تتمثل في افادة اسرائيل من الفرصة لتحقيق مكاسب اخرى على الساحة الفلسطينية والعربية والاقليمية والدولية.
الرهان النفطي، وهو ما يتمثل في التمكن تحت غطاء كل الدخان الحاجب للرؤية، من نهب الثروة النفطية العراقية على يد شركات، ليس افراد الادارة الاميركية بغرباء عنها فردا فردا، وعلى رأسهم الرئيس الذي قدم الى البيت الابيض على ظهر حاملة نفط تكساسية، وتباهى قبل ايام قليلة بان مبيعات النفط قد بلغت خلال عام الاحتلال مستوى فاق توقعات ادارته.
واخيرا رهان المجمع الصناعي العسكري، الذي كانت الحرب بالنسبة له فرصة ممتازة لتسويق وتجريب اسلحته وهي فرصة ما تزال متاحة من اوسع الابواب، اليوم بمكافحة اعمال المقاومة وغدا بصفقات سوف تجبر الحكومات العراقية على ابرامها كما يحصل مع جاراتها الخليجية منذ التسعينات.
غير ان استعراض هذه الرهانات، والوقوف عند واقع تحقق جزء كبير منها حتى الان لا يعني على الاطلاق ان تفجر المقاومة امر عبثي ولن يفضي الى شيء، بل ان العكس هو الصحيح تماما، لان المقاومة وحدها، وتصعيدها اكثر فاكثر هما الكفيلان باحباط هذه الرهانات الكبرى، كما تمكنا حتى الان من احباط الرهانات الداخلية الخطيرة الخطيرة وفي مقدمتها الفصل الطائفي الذي اريد له ان يكون تمهيدا للحرب الاهلية ومن ثم لتقسيم البلاد.
شرط ان يقترن العمل المقاوم بوعي سياسي كبير يضع في اعتباره اولا رهانات المحتل، جميعها، ويبني على اساسها استراتيجيته، وتكتيكاته.