بريمر

صحيفة الدستور، 20-03-2004

»وضرب النقود باسمه« او »وصك النقود باسمه« عبارتان ما من واحد فينا الا وحفظهما عشرات المرات منذ المرحلة الابتدائية، في دروس التاريخ كلما عرضت تلك الدروس الى احتلال طرف لطرف او الى انقلاب حاكم على اخر، وان كنا ونحن صغار لا نعرف بعد تحليل معنى السيادة الوطنية، فان جملا قليلة من نوع هذه الجملة جعلتنا نحس بهذا المعنى بعمق ونفهم ان اهم مظهر من مظاهر السيادة هو العملة الوطنية.

بالامس افتح صحيفة ليبراسيون الفرنسية، واجد عنوانا مثيرا لخبر ارسله مراسل هذه الصحيفة من القاهرة: »بريمر يحرك سوق الصرف في مصر«.

غريب… وليست الغرابة في ان يحرك بريمر شيئا فالاميركيون يحركون كل شيء في المنطقة، ولكن لماذا بريمر بالذات ؟

وتاتي الغرابة الاكبر، فبريمر هنا ليس حاكم الاحتلال الاميركي للعراق، وانما هو اسم الدينار العراقي الجديد.

هل يعقل ان يصل الامتهان الى هذه الدرجة؟

هل يعقل ان تصل المصادرة في القرن الواحد والعشرين الى هذه الدرجة؟

وفي بلد كالعراق؟

بلد لم يكن فحسب مهد الحضارة الانسانية بشرائعها واساطيرها ونظمها وعلومها، بل وكان حتى بداية الثمانينات من هذا القرن قادرا على اقراض دول عربية، وعلى مباشرة نهضة شاملة لكل مجالات الحياة.

وهذا المجلس الذي يدل اسمه على وضعه التنظيمي، فهو »مجلس الحكم« وبريمر هو »الحاكم«، اذن فهو بوضوح مقصود من قبل الاميركيين، مجلس بريمر او من يخلفه من قبل الاحتلال، وليس باي شكل مجلس الشعب او مجلسا تمثيليا لاحد – هذا المجلس الا يشعر بان عليه حفظ الحد الادنى من ماء الوجه؟ الحد الاقل من الادنى من الكرامة؟ الا يفكر بما سيكتبه التاريخ يوما بعد ان يتجاوز حكمه ردات الفعل الانية على قمع صدام حسين او مرحلة الخوف من الاميركيين؟

الم نقرأ في كتبه ابدا عن حاكم كان قاسيا وقامعا لكنه قاد مشروعا وطنيا وحقق انجازات كبيرة، وعن متعاونين مع الاحتلال ضحوا له بكرامة بلادهم وعن مقاومين ضحوا له بانفسهم؟

وهل سيغفل التاريخ ان »بريمر صك النقود باسمه« وهو يتحدث عن تحرير العراق؟

لكن…الن يكتب ايضا ان العرب خارج العراق تعاملوا مع الامر وكانه لا يخصهم، ولعل ذلك ما يشكل مرارة خبر الصحيفة الفرنسية، حيث تحدث عن عمليات التهريب وتسابق الصرافين للافادة من تغيير العملة، ولم يتحدث ابدا عن مضمون ذلك او عن رفض عربي له.

ظل اننا عندما صدرت العملة الاوروبية الموحدة »اليورو« تساءلنا عما اذا كان لنا ان نحلم يوما بـ »دينار« عربي، لكن السؤال اصبح الان: هل لنا ان نضع احلامنا جانبا ونفكر ماذا يمكننا ان نفعل كي لا نصل الى »بريمر« عربي؟

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون