ممتع ان تتابع على التلفزيون مجريات المعركة الانتخابية في بلد ذي ديمقراطية عريقة كفرنسا ، لكنك لا تستطيع ان تمنع نفسك من المقارنة بين القضايا التي تحرك خيارات الناخبين ، وتحرك حماس المرشحين ، وبين ما يمكن ان يفكر به اهلك اذا ما اتيح لهم ان يختاروا امرا من امور مصيرهم
هؤلاء الناس منشغلون برفاههم وحياتهم وحل ازماتهم الاقتصادية وامنهم
لكن لكل من هذه المصطلحات معنى مختلفا عما يمكن ان تحمله لنا نحن ، فالازمة الاقتصادية هنا لاتعني نسبة مئوية عالية تحت خط الفقر كما هو الحال عندنا ، بل تعني مجرد وضع يهدد بتحديد المساعدات الاجتماعية التي تغطي الصحة والتعليم والشيخوخة والاعاقة والبطالة . اما حلها فلا يعني المساعدات الدولية والاستدانة التي ترهن كل شيء بما في ذلك القرار السيادي ، ولا تعني تحديد نهب ثروات البلاد وممتلكاتها سواء بيد الاجنبي ام بيد عملائه والمتحالفين معه من مصاصي الدماء، بل يعني البحث عن اسواق جديدة وعن سياسة تحقق الشراكة في الاستمتاع يثروات الاخرين .
اما الامن فلا يعني عندهم زوال الاحتلال ، وازاحة القمع والاذلال بل يعني تأمين الشارع اذا ما اردت ان تسير فيه ليلا بعد منتصف الليل ، وتامين البيوت والمحلات من السرقة فحسب .
ويبقى مكان بلادهم على الساحة الدولية ـ الذي تتحدث عنه وزيرة الدفاع ميشال اليوت ماري وانا اكتب هذه الكلمات ، انه الحفاظ على قرار مستقل لدولة تملك مقعدا في مجلس الامن ، ويشتمل حلمها على ان يتجاوز قرارها حجمها في تقرير السياسات الدولية: سياسات الاخرين وحقوقهم ووجودهم .
حلم لايشبه باية حال حلم قياداتنا بان يقبل بها الاميركي ناطورة وخفرا ومراسلا ، وان يعفيها من تعب الالتفات الى شعوبها ( رغم علمها بانه لا يريد منها هذه الالتفاتة حقا ، ولكن الخطر في ان يكون هو قد قرر اشاحة وجهه عنها و الالتفات الى وجوه اخرى اكثر جدة و خضوعا)
ولا يشبه حتى حلم شعوبنا وشهدائنا الذين يناضلون لابسط حقوق الشعوب من حرية واستقلال وسيادة ، فيتهمون بالارهاب .
مقارنات تصيبك بموج من المرارة والغربة ، وتضربك بالسؤال الصعب : ما العمل؟
حتى ما جئنا ندرسه هنا ، كيف نوظفه مستقبلا لانجاز خطوة ما؟
لكنك لا تلبث ان تجيب نفسك بان هؤلاء الذين تحسدهم وتغبطهم ، قد دفعوا ثمن كل ما هم فيه : دما والاما وعرقا : دم ثوار ومقاومين وعرق باحثين ومفكرين وعلماء ، هؤلاء لم ينتظروا من ياتي بدبابة محتلة ليزحف بهم الى الباستيل بل زحفوا بفؤوسهم وصدورهم العارية .
وعندما فرض عليهم قدر الحروب احتلال النازي ، لم يخرجوه ليأتوا بمحتل جديد معهم في الجامعات ومراكز الابحاث .
وهؤلاء اخيرا هم الباحثون الذين تعيش معهم في الجامعات ومراكز الابحاث وتراهم باية جدية انتحارية يعملون .
وها هم امامك الان سياسيون يشدونك طوال السهرة الى شاشة التلفاز برقي تنافسهم وحرارة مواقفهم وجديتها ، واختلافهم على كل شيء الا على بلادهم.