12 سبتمبر،2001، فريق مكافحة الارهاب في مجلس الامن القومي الاميركي مجتمع لمتابعة ومناقشة الحدث الذي هز البلاد والعالم بالامس، وجورج بوش يطلب بالحاح من المجتمعين البحث عن العراق.
ريتشارد كلارك منسق الفريق يجيبه، لكن القاعدة هي المسؤولة يا سيدي وليس هناك أي دور للعراق.
الرئيس يصر: لا العراق العراق، وعندما يهم بالخروج يؤشر باصبعه الى كلارك قائلا بما يشبه التهديد: ابحث عن العراق.
هذا بالحرف ما رواه هذا الرجل في كتابه الصادر مؤخرا والذي هز الولايات المتحدة كلها وزلزل الارض تحت اقدام الفريق الحاكم.
كونداليزا رايس التي اوكلت الى كلارك امر متابعة الوضع بعد احداث منهاتن، تطوعت للكتابة كي ترد عليه، ومن ورائها صعد البيت الابيض كله الى منصة الدفاع، فالرجل ليس شخصا عاديا، فهوبالاضافة الى منصبه الخطير في مجلس الامن القومي ، قد رافق اربعة من رؤساء الولايات المتحدة الاميركية وعلى امتداد ثلاثين سنة في البيت الابيض.
وهو اذ يصف الرئيس الحالي بالاستخفاف، وعدم التنبه، واهمال الامور الامنية، وبان ما كان يحركه هو هاجس وسواسي اسمه العراق، لا لان الاحداث فرضت معاقبة هذا البلد، بل لان الرئيس وادارته كانوا يبحثون في الاحداث عما يبرر قرارهم بضربه واحتلاله، انما يوجه ضربة قاصمة للفريق الحاكم في عز المعركة الانتخابية وبعد الضربة الاخرى.التي وجهها وزير المالية اونيل
في هذا السياق يورد الكتاب قول رامسفيلد بعد 11 سبتمبر: ان افغانستان لا تشتمل على اهداف مهمة فلنقصف العراق افضل.
لكن ما يستحق التوقف عنده هنا، وفيما يخصنا نحن، هو السؤال المر: فيما عدا الشماتة التي قد تبرد شيئا من لظى القلب، ما الذي سيغيره كل ذلك على الارض العربية؟
هل سيذهب الاميركيون من العراق؟
واذا ما ذهبوا كقوات احتلال في الشوارع يسهل تصيدها واحراج حكوماتها بجثثها، كما يسهل شحن المشاعر ضدها، فهل سيذهبون كقواعد عسكرية يتم انشاؤها بشكل حثيث وسيكون من اول مهمات الحكومة المقبلة ان تشرعها بمعاهدات قانونية؟
هل سيذهبون كعقود تنهب كل خيرات البلاد وترمي لابنائها فتات ما يتبقى من بعد عقد الباطن التي ستحصل بدورها على فتات العقود الحقيقية؟
والسؤال الاخطر من هذين معا، هو: هل سيذهب الوجود الاسرائيلي الذي يمتد في شرايين الوجود العراقي كالسم الذي لا يترك مفصلا من مفاصل البلاد؟
الم توزع المقاومة العراقية قبل ايام قائمة بالمستشارين اليهود المزدوجي الجنسية، الاسرائيلية الاميركية المنتشرين في كل وزارة من وزارات الدولة الوهم؟
الم تحمل الانباء قبل يومين اجهاز المقاومة على فريق مكتب الموساد في كركوك، الذي كان يموه نفسه بيافطة شركة تصدير؟
ترى كم من مكتب ما يزال يصدر البلاد والعباد الى الحضن الصهيوني ولا يتحدث عنه احد؟
بل الاخطر اننا قد نصل الى وقت نقبل به ان تحدثنا عنه، فقبل اسابيع كانت المغرب تستضيف ندوة حول حوار الحضارات، وفوجىء بعض المشاركين بحضور نوح فيلدمان الصهيوني الذي جيء به من المدارس التلمودية في بروكلن لكتابة الدستور العراقي، لكن المفاجأة لم تصل عند أي منهم حد الاحتجاج او الانسحاب او اثارة فضيحة.
هذا الشلل المميت، هذا الخنوع المذل امام التآمر والتواطؤ، هو ما قد يفيد في تحريكه فشل جورج بوش وفريقه لانه قد يساهم في زحزحة حالة »البهسة« التي اصابت النخبة العربية وشارعها، لكنه من جهة اخرى قد يعطي البعض مجالا لامتصاص النقمة عبر انتصار وهمي.
لذا فان علينا في أي حال ان نتذكر ان لا فضل في هذه الزحزحة الا لاثنين: تضارب المصالح الداخلية الاميركية، و… المقاومة العراقية.