`خذ الحكمة من افواه المجانين`

صحيفة الدستور، 11-03-2004

ربما تكون الادارة الاميركية الحالية اكثر ادارة وصفت بالجنون منذ الحرب العالمية الثانية ، غير ان الشعار الذي اطلقته حول الاصلاحات في الشرق الاوسط الكبير لم يكن ابدا من باب الجنون ، كما انه لم يكن ايضا من باب الجد.

انها وببساطة مناورة انتخابية ماهرة لتقديم المغامرة الاميركية في العراق وقبلها في افغانستان بحلة جديدة و»تغليف جديد« كما قال عنها الفرنسيون ، تقديمها للناخب الاميركي كي تقول له: نحن لم نرسل اولادك الى الموت فقط لاجل عقود النفط وعيني اسرائيل واللوبي الصهيوني الذي يفرض استراتيجياتها على البيت الابيض المنشغل اما بالصلاة، او باوراق عقود النفط وشركات الاستثمار

نحن لم نفشل في تحقيق الحرية والديمقراطية اللتين امطرناك بهما لاقناعك بالحرب، وغنينا لهما كما اناشيد داود ، ليصبح معناهما على ارض الواقع موتا يوميا لمئات البشر من المحررين والمحررين (ولا فرق بين فتح الراء او كسرها ، الا الفرق بين موت المحتل وموت المقاوم)

نحن لم نتقاعس عن تحقيق أي شيء ، الا ادخال الشركات والاجهزة الامنية الاسرائيلية الى العراق ، الا لاننا نهيىء لمشروع اضخم واكبر يشمل جميع الدول الاسلامية التي يقطنها هؤلاء البرابرة الذين يشكل كل فرد فيهم مشروع ارهابي قد يأتي غدا ليفجر نفسه في احدى عماراتكم او باصاتكم ، هؤلاء الذين يجسدون الشر الذي سنستاصله لنقيم محله الخير الاميركي – اليهودي الحضاري .

اما كيف سيتحقق ذلك ، فمن غير المهم طالما ان الغاية اعلامية انتخابية تبريرية ، وطالما ان تقرير التنمية البشرية الذي اشرفنا عليه قبل سنة قد مهد لنا الطريق واعطانا التبريرات .

ولمن لا يهتم كفاية لكلمة التنمية ، التي بنينا عليها سياساتنا الاعلامية الاستراتيجية منذ بداية الحرب الباردة ، فقد اضفنا كلمة الديمقراطية التي تصيب سهامها قلب هؤلاء المساكين المقموعين كما لم تصب اسهم ليلى قلب قيس . الم نساعد نحن انظمتهم على قمعهم كي يكونوا جاهزين هكذا حتى جاءت اللحظة؟

اما من يستغرب العودة عن بداية الحرب الباردة ، وقد انتهت واصبحت عظامها مكاحل ، فان عليه ان يعود الى عام 1958 ليقرأ كتاب دانيال بارنر »احتضار المجتمعات التقليدية – تحديث الشرق الاوسط«.

ليرى كيف خطط هذا الاستراتيجي الاعلامي وزملاؤه لاطلاق الحرب الاعلامية ضد الشرق الاوسط بناء على شعار الحداثة والتنمية ، لمواجهة المد السوفييتي ، وليبحث اكثر ، فيعرف ان هؤلاء الباحثين المخططين هم هم انفسهم الذين عملوا على التخطيط لما اطلقوا عليه مصطلح »الحرب النفسية« خلال الحرب العالمية الثانية ، وذلك من خلال ثلاث مؤسسات دراسية اعلامية تابعة للجيش والاجهزة السرية .

وها هي الاستراتيجية نفسها تستمر الان مع اضافة مصطلح جديد هو الدمقرطة .

وعليه ، فلن تتحقق الدمقرطة الاميركية في المنطقة الا بقدر ما تحقق التحديث وتحققت التنمية منذ الخمسينات وحتى الان .

لكن ذلك لن يمنع من تحقيق المصالح الاميركية – الاسرائيلية على حسابنا ، والمخرج الوحيد هو ان نعمل نحن في بلداننا على تحقيق دمقرطة حقيقية ولو تدريجية ، وتنمية تدريجية .

ولكن من الذي سيأخذ الحكمة من فم المجنون الاميركي؟

هل المضروبون بالبهسة ، وبرعب تجاوز رعب البقاء الى رعب الوراثة ، قادرون على ذلك ؟

ام ان على الشعوب ان تستفيد من لحظات الجنون والرعب هذه وتحاول انقاذ شيء ، المبادرة الى شيء؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون