جملتان لابد من الاحتفاظ بهما من تعليقات الصحف الاوروبية على تفجيرات مدريد : الاولى من افتتاحية صحيفة لو فيغارو: »اننا نعيش في مرحلة لا يمكن التعرف فيها بشكل مؤكد الى شخصية المجرم «.
والثانية من صحيفة لو موند: »العبرة التي يجب الخروج بها من هذا الحدث هو ان اوروبا قد دخلت ساحة الارهاب … وان عليها ان تتحرك لمكافحته ورفض أي شكل من اشكاله سواء طال برجين ام باصا يخرج من محطة ام محطات او سكك قطارات«.
الاشارة الاولى تضعنا منذ الحادي عشر من سبتمبر امام جهل الحقائق وعدم جهل النتائج، التي سرعان ما يتبين انها لم تكن نتائج وانما كانت امورا قد خطط لها منذ امد بعيد، ربما قبل ان يفكر أي ارهابي بفكرة عملية محددة، وربما بشكل متواز، مع ترتيب الظروف والمبررات لوضع الخطة موضع التنفيذ .
وبعبارات ابسط لم يكن احتلال افغانستان نتيجة لـ 11 ايلول، وكذلك لم يكن غزو العراق . لكن احداث منهاتن شكلت المبرر وهيأت الجو لتنفيذ ذينك المخططين، وذاك ما لم يعد يجهله احد . بل ان القضاء على النظام الاكثر علمانية في العالم العربي والاسلامي قد تم باسم محاربة الاصولية الاسلامية، ووضع مكانه نظام قائم على الاسلام السياسي، ليصبح الشارع ايضا في يد الحركات الاسلامية الاصولية، و كل ذلك بحجة مكافحة الارهاب.
من جهة اخرى كانت احدى اهم نتائج ايلول، تقويض المكتسبات الكبرى التي كانت الانتفاضة الفلسطينية قد توصلت الى تحقيقها على الساحات المحلية والدولية، وخلط مقاومة الاحتلال بالارهاب، خاصة في الشق المرتبط بحركات المقاومة الاسلامية .
من هنا ننفذ الى الاشارة الخطيرة الواردة مرتين في افتتاحية لوموند، والتي تؤشر بوضوح، الى المقاومة الفلسطينية دون ان تسميها عندما تقول، انه لم يعد يجوز ان تقبل اية تبريرات للارهاب حتى ولو بحجة انها سياسية، او عندما تقول : سواء طال الارهاب برجين ام باصا ام قطارات .
الم يحمل الاسرائيليون بالامس باصهم المحروق الى امام محكمة العدل الدولية في لاهاي؟
والقصد؟
ادخال اوروبا ساحة الارهاب، كما تقول الافتتاحية ذاتها، او كما اشارت اليه استطلاعات رأي لا ندري بأية سرعة نفذت، وتحليلات العديد من المعلقين السياسيين .
اوروبا التي ظلت الى حد ما، بل الى حد ضئيل، خارج السرب الاميركي- الصهيوني، يجب ان تلتف كلها حول واشنطن واسرائيل، اوروبا التي قال اهلها في استطلاع الرأي المشهور بان اسرائيل هي مصدر الخطر على السلام العالمي، يجب ان تجبر بالنار والدم على القول بان الارهاب، والاسلام هما مصدر الخطر هذا .
اوروبا التي تحاول ان تلعب دورا ما، يعيد بعض التوازن الى الساحة الدولية، يجب ان تنشغل برعب امنها، بعد ان شغلها هبوط الدولار وارتفاع اليورو برعب امنها الاقتصادي .
اما اذا كان هناك من يقول بان هذا التحليل يهتز لكون التفجيرات قد جاءت في اسبانيا، البلد الذي تتخذ حكومته اكثر المواقف انحيازا الى الولايات المتحدة واسرائيل، والاكثر تشددا في موضوع الحرب على العراق، فان هذا المعطى هو الذي يجعل التحليل اكثر منطقية، لان مقتضيات الاقناع تفترض ان تكون ساحة الضربة ساحة مستهدفة منطقيا من قبل الاسلاميين. وبهذه التركيبة المنطقية، وجه الانذار الاول الى فرنسا التي عاشت اياما على رعب قصة الالغام الموضوعة تحت القطارات، دون ان ننسى ان ذلك قد حصل بعد شهرين فقط على قصة الحجاب، وبعد ايام من التصويت على القانون في مجلس الشيوخ، ولسنا ندري ما اذا كان تفشيل التهديد في فرنسا عائد الى مهارة الامن الفرنسي او الى تكتيك معروف لدى مخططي العمليات يقضي بصرف النظر عن الهدف الحقيقي، كما يقضي في الوقت ذاته بتهيئة ظروف الرعب والتعاطف بل والتماهي .
الا يقول كل مواطن او كل مسؤول امام نظيره الاسباني الان: كان من الممكن ان اكون انا؟
وهل ان احد الاهداف الرئيسية ان يصل الجميع الى حالة ممن البلبلة يقول فيها الجميع ذلك عند كل عملية ضد اسرائيل؟