الغياب – الحضور…

صحيفة الدستور، 18-02-2004

لا يعيشون لانفسهم ولا يموتون ليذهبوا ويتركوا وراءهم الحديث عن انفسهم…

قدرهم ان تقترن اسماؤهم بقضية ، فلا يذكرون الا لتذكر ، بل وسرعان ما ينحازون ليفسحوا الساحة لها وحدها..

هكذا اذ تعقد الجمعية الثقافية العربية في باريس ندوة لتأبين احمد صدقي الدجاني، يتحول النقاش ويمتد حتى ساعة متأخرة من الليل ، محاكمة كاملة لمرحلة كاملة ، وجدل يتجاوز في الكثير من جوانبه سيرة الرجل ، الى القضايا والى التيارات الفكرية والسياسية العربية كلها ، من الحركات الاسلامية خاصة الاخوان الذين بدأ الدجاني نشاطه السياسي في صفوفهم ، الى الناصرية التي انتقل اليها لاحقا ، الى اللجان العربية لحقوق الانسان التي اعطاها الكثير من جهده عندما اوصله النضج السياسي والفكري الى حقيقة ان لا نهوض لامة لا تبني انسانها ولا بناء لانسان لا تحترم حقوقه، الى نشاطات حوار الحضارات التي شكلت وجها آخر من وجوه النضج الفكري المزدوج التوجه عنده: توجه داخلي يبني الوحدة الوطنية على احترام التعددية التي تندمج وتذوب في بوتقة الحضارة الواحدة ، وتوجه خارجي يخاطب الاخر محاورا متقبلا محترما (بكسر الراء وفتحها)

ويستدعي غياب الدجاني غياب اخرين ، كبار آخرون غص بهم حلق الموت هذا العام ، من احسان عباس الى ادوارد سعيد الى فدوى طوقان ، الى عبد الرحمن منيف.

عام الغياب!

لكن ، الم يكن هو عام الغياب الكبير ، العام الذي غاب فيه وطن كامل ، الجزء الاكبر من الوطن الكبير في غياهب الاحتلال!

فهل كان غياب هؤلاء كلهم احتجاجا صامتا بليغا على الغياب الاكبر ، غياب الفعل الحضاري العربي ، الذي يقع في اساس غياب الفعل السياسي والوجودي؟

هل فضلوا الذهاب لعل موتهم يهز الواقع الجليدي الميت؟

ام فضلوا الصمت اعلانا لعجز الكلمة عن التعبير ، والقول عن الفعل؟

لكن ثمة فعل ما زال يقاوم الموت ، بالموت او بالعمل ، ثمة مقاومون علينا الا نصغي لصوتهم ، لصوت دمهم او لصوت نضالاتهم ، وحتى هنا ، لا يتركون فرصة الا ويؤكدون بها حضورهم ، واذا كانت الانهار تتدفق كلها لتصب في فلسطين ، فها هم مجموعة من الشباب ينضمون الى الندوة ويطالبون بشيء غير الكلام ، شيء يحيي فعلا ذكرى مناضل كاحمد صدقي الدجاني ، ويطلبون من الجميع المشاركة في نشاط عملي متعلق بحق العودة.

لا يعترضون على الكلام لكنهم يرفضون الا يتحول الى فعل

وينجحون

وارى ، بشاشة احمد صدقي الدجاني ، وكياسته التي اجمع عليها جميع المتحدثين ، تهل على وجه الرجل الذي جئنا نحيي ذكراه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون