كما نقول لندن للدلالة على بريطانيا او باريس للدلالة على فرنسا ، بات اسم بروكسل في القاموس السياسي يعني اوروبا الموحدة ، لانها مركز الاتحاد ومؤسساته ، لذا فان أي تحرك باتجاه العاصمة البلجيكية انما يعني القارة كلها.
المتحرك هذه الايام هو المنظمات اليهودية التي يبدو انها ، بعد ان استتب لها الامر في الولايات المتحدة ، وبعد ان دخلت المرحلة الكبرى من معركة الصهيونية على الارض العربية ، منذ احتلال العراق ، قررت الزحف نحو القارة العجوز لاكثر من سبب : اولها انها تحتاج الى توريط هذه الاخيرة في الحالة العراقية خاصة مع تنامي اعمال المقاومة ، وبروز تعقيدات الوضع هناك، مما اقتضى زيادة الضغط على الساحات العربية كلها ، وضرورة استقطاب الساحات الدولية كلها
اما السبب الثاني فهو قطع الطريق على وعي اوروبي متنام بضغط هيمنة اللوبيات اليهودية ،على القرار السياسي والاقتصادي الداخلي والخارجي ، وتململ ما للتخلص من ذلك الوضع مما يلتقي ولو بطريقة غير مباشرة مع وعي متنام لدى الجاليات العربية والاسلامية في هذه المجتمعات الاوروبية بوضعها كقوة وحقها في المواطنة الكاملة مما يضمن حقها في تقرير الموقف السياسي من القضايا العربية خاصة قضية فلسطين. ويأتي تنامي هذا الوعي والاحساس بالقوة هذا ليخلص عرب اوروبا من عقدة ووهم ان اليهود هم حلفاؤهم وحماتهم ازاء الاوروبيين الاصليين الرافضين لهم والمتعالين عليهم.
كل هذا ترجمه الاستطلاع الشهير الذي قال من خلاله الاوروبيون انهم يعتبرون اسرائيل خطرا على السلام العالمي ، ولم يكن الاستطلاع المذكور مفصولا عن تجليات متواصلة ومختلفة للحالة نفسها ، جاء تصاعد الكراهية لاميركا ليعززها.
لكن هل يقف يهود العالم مكتوفي الايدي امام هذا الوضع؟
الهجوم المضاد بدأ وبقوة وعلى اكثر من جبهة ليس اقلها الهجوم على خط جاك شيراك في فرنسا ، والذي ذهب ضحيته الان جوبيه ، ونتجت عنه بلبلة الحزب الحاكم ، وعلى جيرهارد شرودر الذي اضطر الى الاستقالة من رئاسة الحزب ليتفرغ لمواجهة الحملة من المستشارية ، وعلى بوتين في روسيا ، خاصة بعد »تجرؤه« على زعماء المافيات اليهودية في بلاد القياصرة.
لكن هجوما من نوع اخر تشهده بروكسل هذه الايام ، ومن قبل : المجلس اليهودي الاميركي والمجلس اليهودي العالمي.
المجلس اليهودي الاميركي يفتتح في احتفال كبير مؤسسة اطلق عليها اسم »المؤسسة الاطلسية« برئاسة ديفيد هاريس الذي يحدد هدفها باعادة اللحمة الى الاطلسي عبر تحسين العلاقات بين اوروبا والولايات المتحدة واسرائيل، وسيحضر الافتتاح كل من وزيري خارجية بلجيكا واسبانيا ، لويس ميشال وانا بالاسيو ووزير الشؤون الاوروبية الفرنسي نويل لونوار ، وخافيير سولانا.
اما المجلس اليهودي العالمي فسيفتتح الاربعاء في بروكسل ايضا مؤسسة اخرى تهدف الى »ازالة التشويه الذي لحق بصورة اسرائيل« »الامة التي تتعرض باستمرار للنقد«، وسيحضر الافتتاح المفوض الاوروبي رومانو برودي الذي تتهمه المنظمات اليهودية ، هو والمفوضية الاوروبية ، بـ »الخيانة الاخلاقية« التي تمثلت بنشر نتائج الاستطلاع المذكور، كما تتهمه بالحؤول دون نشر تقرير مضاد يتهم المسلمين الاوروبيين باعمال لاسامية.
واذا كانت الحكومات الاوروبية قد اعلنت ادانتها لعمليات كهذه فان المنظمات اليهودية تقول »ان ذلك لا يكفي والمطلوب اكثر من ذلك بكثير«.
ما هو هذا الاكثر من ذلك بكثير؟
ربما سيوضحه موشي كاتساف لجاك شيراك خلال الزيارة القربية ، التي لا تخرج عن دائرة الهجوم المذكور.