قصر المؤتمرات، مقر تابع لغرفة التجارة الفرنسية في باريس، لكن الحدث امر لا علاقة له بالتجارة ولا بالصناعة من حيث الموضوع، ونقول من حيث الموضوع لان نفوذ جمعيات التجار اليهود المؤيدة بحدة لاسرائيل، وسيطرة هؤلاء على حيز كبير من الصناعات، وفي مقدمتها صناعة الاقمشة والملبوسات وادوات التجميل، يقودنا الى جزء من تفسير سبب موافقة الغرفة المذكورة على تأجير احدى قاعاتها، مساء 8 شباط الحالي لاقامة حفل تحت عنوان (لاجل راحة الجندي الاسرائيلي).
العنوان هذا ليس مجرد عنوان للسهرة بل هو اسم لجمعية فرنسية تعمل على تأمين التمويل والتطوع لتنفيذ مشاريع في اسرائيل، هي عبارة عن منشآت للترفيه تابعة للجيش الاسرائيلي من مثل المسابح والنوادي وبرامج الترفيه الخ…
وقد اشتهر قبل سنوات قليلة ملصق كانت الجمعية المذكورة توزعه للحث على التبرع، يحمل صورة جندي اسرائيلي شاب، وفتاة جميلة تطوقه بذراعيها مبتسمة، وفوق الصورة عبارة : (اجعليه يشعر بانك تفكرين به) ثم تأتي الدعوة الى التبرع لاجل رفاهية الجيش الاسرائيلي.
هذه الصورة تضمنها كتاب ارهابيو اسرائيل المترجم عن الفرنسية والصادر عن هيئة الموسوعة الفلسطينية، وقد ارفقها الباحث بسؤال : ترى ماذا كان يمكن ان يحصل لو ان هذا الملصق حمل بدل اسم الجيش الاسرائيلي، الجيش الروسي او الالماني او التركي او اية نسبة اخرى؟
رئيسة جمعية (الحجر والزيتون) الناشطة الفرنسية جينيت سكندراني المعروفة بتأييدها للقضية الفلسطينية، وزعت بيانا على الانترنت موجها الى رئيس الغرفة المذكورة ومديرتها العامة، تحتج فيه على تأجير مؤسسة رسمية، في بلاد تدعي الدفاع عن حقوق الانسان، وموقعة على اتفاقيات جنيف بشأن حماية المدنيين تحت الاحتلال، وترفع راية الديمقراطية، مقرا تابعا لها لاقامة نشاط لدعم جيش يقتل الاطفال والنساء ويقلع الشجر ويحتجز رئيسا منتخبا كرهينة وينتهك كل الحقوق والحريات الاساسية، وطلبت سكندراني من جميع الذين ارسلت لهم الرسالة الالكترونية ان يعيدوا ارسالها الى المعنيين، لكن الامر لم يؤد الى منع التظاهرة، ربما لان الاحتجاجات لم تكن كافية وربما لان الضغوط الاخرى كانت اكبر واشد فاعلية، وربما لان العرب منشغلون بقصة الحجاب.
لكن الاسبوع نفسه كان يشهد في مدينة اخرى هي ستراسبورغ نشاطا مهما هو عبارة عن استضافة اربع جمعيات معا لناشطين عالميين في مجال السلام وحقوق الانسان، بعد فترة قضياها في فلسطين، الرجل وهو كندي كان في الخليل والفتاة وهي دانمركية كانت في غزة وقدما مع شهادتيهما الحقيقيتين والمؤثرتين عرضا توضيحيا بالصور التي التقطاها هناك، تركز من جهة على انتهاكات حقوق الانسان من قبل الاحتلال ومن جهة اخرى على ما يعنيه الجدار الفاصل من حيث قضم ارض الفلسطينيين واعاقة حياتهم.
اليهود نظموا مظاهرة للاحتجاج على هذا اللقاء، لكنه حصل.
ما الذي يقوله الحدثان ؟
اولا ان ساحة الصراع مفتوحة، وان الرهان على قدرتنا على التحرك، والثاني ان تحركاتنا ان حدثت تظل مقتصرة على الكلام، في حين يتحركون هم في دائرة الفعل العملي، لكن ذلك لا ينفي اننا بحاجة حتى الى الكلام لتعريف الناس بما نعتبره نحن بديهيا ويجهلونه هم عنا وعن قضايانا.