»البديل لنظام بشار الاسد ليس الديمقراطية بل الاصولية. هذا في حين أن المعارضة السورية الخارجية ليست القاعدة المناسبة لتغيير المناخ السياسي في البلاد«.
ماذا يعني صدور هذا التقييم عن احد اهم خبراء مجلس الامن القومي في الولايات المتحدة الاميركية، في ذات الوقت الذي يصرح فيه كولن باول ان رفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للارهاب هو الان ابعد مما كان عليه في العام الماضي، وفي الوقت الذي يرفع فيه قانون محاسبة سوريا سيفا مشهرا في وجه بلاد الامويين ؟
اجتماع الوقائع يبعد بالتاكيد أي تفسير يقول بان واشنطن قررت التسامح مع حكم البعث السوري، او انها لا تريد الهيمنة على دمشق بعد بغداد، او حتى انها تريد ان تسهل على القيادة السورية عملية التحول بدليل واضح هو تجاهل واشنطن وتل ابيب دعوة دمشق للعودة الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل، بل وتجاهل الوساطة التركية لتأمين ذلك .
لكن واشنطن غارقة الان في لجج رمال دجلة ولا ينقصها ان تغطس حاليا في لجج الفرات ، واذا كان هذا التعبير المجازي يقودنا الى ان نتذكر على ارض الواقع محاولة التجفيف التي تعرض لها الفرات، فان ذلك يعود فينقلب على صعيد الدلالة السياسية الى عملية مشابهة، كيف ؟
لقد احتاج اضعاف العراق وانهاكه قبل الانقضاض عليه الى ثماني سنوات من الحرب مع ايران واثنتي عشرة سنة من الحصار، ونجحت التجربة، فلماذا لا يكون اضعاف دمشق باسلوب اخر هو نوع من الحصار السياسي الخانق والابقاء تحت التهديد المربك، لكن : الى متى ؟
الجواب هنا يرتبط بأكثر من معطى: اولها ان سوريا ليست العراق بنفطه الذي يسيل اللعاب، وثانيها ان سوريا بعد العراق هي جبهة امامية بدون خط خلفي، مما يعني باللغة العسكرية انها ساقطة، وثالثها ان سوريا برغم ضعف الوضع العسكري تمتلك مجموعة من الاوراق التي تمسك بها بذكاء وحكمة سواء على صعيد علاقاتها مع منظمات المقاومة وحزب الله مما يشكل لها تهمة وقوة في ان واحد، او على صعيد علاقاتها الاقليمية، او الدولية، ورابعها وضعها في لبنان …. ولكن ما هو اهم من كل ذلك هو وضع المعارضة السورية نفسها ووضع العراق .
فالمعارضة السورية ليست احمد الجلبي لا ولا نوري عبد الرزاق او فخري كريم او حتى عبد العزيز الحكيم، المعارضة السورية ليست تلك التي تباهت بالتقاط الصور مع وزيرة الخارجية الاميركية والاستعداد لدخول بغداد على ظهر الدبابات الاميركية، بل ان البيانات التي صدرت عن قياداتها ردا على الدعوة الى الاشتراك في حملة اقرار قانون محاسبة سوريا، وجاء فيها بوضوح »ان هذا القانون يستهدف الوطن لا حكم البعث« هي بيانات تجعلها غير مؤهلة على الاطلاق للاشتراك في »التحرير الاميركي« للبلاد.
من جهة اخرى يشكل استمرار الوضع الصعب في العراق حماية لسوريا، حيث لن يكون الاميركيون مستعدين للتورط في مكان اخر .
ولكن ماذا لو فرغ العم سام من احفاد العباسيين وقرر الارتداد للامويين ؟
ماذا لو قرر عدم التورط في مغامرة اخرى على الطريقة العراقية وفضل الطريقة الليبية ؟
ستكون الضربة القاضية النهائية لهذا الوجود العربي كله، ضربة لن تسقط على رأس سوريا وحدها بل على كل عربي حاكما كان او محكوما، لذا لا بد من ان يعي الجميع هذه الخطورة وان يتحرك الجميع على ثلاثة محاور: الحكم السوري، المعارضة السورية، والدول العربية مسؤولين وقوى شعبية، بجراة، بمسؤولية وبحكمة.