يوم للتأمل

صحيفة الدستور، 11-01-2004

يوم للتفكير والتأمل، في مقابل يوم للتظاهر، ذاك ما تشكله دعوتان وجهتا من قبل منظمات اسلامية يوم 17 يناير الجاري في فرنسا.

ففي حين دعت عدة منظمات الى التظاهر احتجاجا على القانون المقترح المكرس للعلمنة في البلاد، والذي سيحظر بالتالي ارتداء الاشارات الدينية في المدارس والمؤسسات الرسمية.دعت مجموعة يقودها المفكر الاسلامي وعالم الاجتماع الفرنسي طارق رمضان الى التجمع في اليوم ذاته… للتأمل مليا في الموضوع.

لا ندري بالتحديد ما الذي سيطرحه رمضان على طاولة التأمل والتفكير، خاصة بعد مشاركته في اللقاء مع وزير الداخلية في مسجد باريس، لكننا نغتنم العنوان لنسأل: السنا بحاجة الى جلسة تأمل سياسي بحتة بخصوص هذه القضية التي قامت لها الدنيا ولم تقعد في فرنسا كما في العالمين العربي والاسلامي منذ اشهر.

تأمل سياسي، لا علاقة له بالجدل العقدي والديني الذي نتركه لاهله.

تأمل يبدأ من تقرير عنصرين : الاول يتعلق بمواقف جاك شيراك وحكومته الديغولية الجديدة من ثلاثة امور جوهرية دولية:

الموقف الاول هو الالتزام الحاسم برؤية معينة للاوربة، تضع في اساسها مسالة الاستقلالية الاوروبية عن الهيمنة الاميركية، وصولا للتوازن معها، مما يعني انهاء التفرد الاميركي في قيادة العالم، وهي رؤية تكتسي قدرا اكبر من الخطورة بامتدادها الى الساحتين الالمانية والروسية.

اما الموقف الثاني فيتعلق بالصراع العربي- الاسرائيلي حيث يعود شيراك الى ما اسمته الديغولية دائما : سياسة التوازن بين العرب واسرائيل، غير ان اسرائيل لا تقبل باي حال الا وان تعتبره انحيازا غير مسموح به للعرب، وتحديدا للفلسطينيين، والكل يعرف التوترات التي وصلت حد المواجهات الحادة بين الرئيس شيراك وحكومته من جهة وبين الاسرائيليين واللوبي المؤيد لهم من جهة، منذ الزيارة الشهيرة الى القدس، الى مجريات الاجتماع الشهير في باريس بين باراك وعرفات واولبرايت، الى ما تلا من سلسلة احداث تترجم سياسة واضحة، دون ان تخرج عن ذلك مواقف الحكومة الفرنسية من العرب الاخرين مثل زيارة الرئيس السوري وغيرها.

واخيرا يأتي الموقف الثالث المتعلق بالحرب الاميركية على العراق وما تلاه من موقف من الاحتلال نفسه.

واذا كانت هذه المواقف الثلاثة مترابطة بعلاقة منطقية سببية واحدة فانها لايمكن ان تترك دون عقاب.

واذا كانت نتيجتها على الساحة الفرنسية الداخلية قد تجلت في النسبة التي كلل بها شيراك فوزه في الانتخابات الاخيرة، كاعلى نسبة حققها رئيس في الجمهورية الخامسة، كما تجلت على ساحة العلاقات الخارجية بارتفاع لا سابق له لشعبية فرنسا في العالمين العربي والاسلامي مقابل تنامي الكراهية لاميركا واسرائيل (حتى داخل اوروبا) فان العقاب يجب ان يتمثل في تقويض تلك النتيجة. وهل من معول اقدر على ذلك من اثارة فتنة بين الحكم الفرنسي والجمهور العربي الاسلامي داخل فرنسا وخارجها.

معول لا ندري اية عبقرية تلك التي شحذته باثارة مسألة الحجاب بالطريقة التي اثيرت بها، ولا نستطيع هنا الا ان نتساءل: لماذا بدأت المشكلة مع فتاتين من اب يهودي، وذلك من بين ملايين الفتيات المسلمات الفرنسيات؟

ولماذا وضع الرئيس بين خيارين: اما ان يوافق على الرموز الدينية وبذلك يكون قد دق مسمارا في نعش الجمهورية الخامسة التي تقوم على مبادىء من اهمها العلمنة، وخسر بالتالي اصوات الفرنسيين والعلمانيين، واما ان يرفض ويخسر اصوات المسلمين في الداخل، وعلاقاته المميزة مع الدول الاسلامية في الخارج؟

كما لانستطيع الا وان نطرح سؤالا اكبر وهو كيف يمكن تطويق هذه الفتنة التي لا تصب لا في صالح فرنسا ولا في صالح العرب وقضاياهم ولا يستفيد منها الا اميركا واسرائيل؟

هذا ما يحتاج الى يوم للتأمل!!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون