ولماذا المحاكمة؟

صحيفة الدستور، 17-12-2003

جورج بوش اصدر حكمه على صدام حسين بالاعدام. ولكن قبل جورج بوش كان جوزيف ليبرمان اكثر الشخصيات اليهودية الاميركية تطرفا الى اليمين، وربما مرشح الرئاسة القادم عن الديمقراطيين، قد حدد العقوبة واجراءاتها بشكل اكثر وضوحا حين قال: »هذا الرجل شيطان ويجب ان يعدم ولاجل ذلك لا يجوز ان يحاكم امام محكمة دولية لا تقر حكم الاعدام، بل امام محكمة عراقية او اميركية لانهما تملكان ذلك «. ومنذها اتضح المسار الذي اسس لموقف بوش ولموقف مجلس الحكم العراقي، موقف تعززه جملة عناصر، فالادارة الاميركية الحالية خاضعة كليا لنفوذ اللوبي اليهودي المتشدد، بل هي هو، هذا من جهة ومن جهة اخرى لا يستطيع بوش امام الانتخابات القريبة ان يكون اقل ولاء وتصلبا من الجمهوريين والا خسر الدعم، مما يذكر بما كتبه ناحوم غولدمان في مذكراته من قوله لجون كنيدي خلال المعركة الانتخابية: »نحدد موقفنا منك بحسب موقفك من اسرائيل، ونتابع مراقبة التزامك بالتعهدات بعد وصولك «. هذا اضافة الى ان لهذه الادارة ما يكفي من الاحقاد الشخصية ومن المصالح الاقتصادية التي لا تتعارض ابدا مع هذا الموقف.

اما من جهة العراقيين فالموقف شبيه تقريبا سواء من حيث الخضوع المزدوج للصهيونية وللولايات المتحدة الاميركية ام من حيث الاحقاد الشخصية، ام من حيث المصالح، بل ان هذه العناصر جميعا هي اكثر حدة عند هؤلاء منها عند الاميركيين وحلفائهم.

غير ان الخطير في الامر هنا، وما يتجاوز اعدام صدام حسين او سواه من اعضاء قيادته، هو ما ستفضي اليه هذه المحاكمة على صعيد مصلحة العراق، اذ ستتحول الى سوق : على اونا على دوي، على ثرواته. اجل سيلقى العراق جثة مباحة امام الجميع، وتفتح الساحة لياتي كل واحد وينتش حصته منها، مثلها مثل كل بيت كسر الناهبون بابه وفتحوه امام كل من استطاع الى موجوداته سبيلا.

ايران تريد حصتها، والكويت تريد حصتها، ودول عربية اخرى تريد حصتها، واسرائيل تريد حصتها.والكل باسم القانون. ومن سيحكمون باباحة ذلك »عراقيون« و»باسم الشعب العراقي«. افلا تفتتح كل محكمة بهذين الاسمين؟ ويصدر كل حكم بهما؟

ثروات العراق التي تحولت الى مشاع متاح امام الشركات الاميركية والمتعددة الجنسيات، وامام المستثمرين الاسرائيليين، سيتم توزيع الجزء الاخر منها عبر محاكمة صدام حسين.

والذي لا يعتقد بان هذه الحصص كانت وعودا والتزامات بين من كانوا معارضة عراقية، وبين الاطراف المطالبة الان بالوفاء بالعهود، وربما بين الاميركيين والايرانيين ثمنا لعدم تشجيع المقاومة، يكون من اولئك الذين يقعون في السذاجة السياسية.

كما ان من لا يقيم ربطا بين جولة بيكر ومسالة تخفيض اوروبا وروسيا الديون العراقية، وهذه الالتزامات يكون بعيدا عن سياق التحليل.(هذا اضافة الى جملة عناصر اخرى معروفة).

واذا كانت اشارة السيادة الوحيدة التي منحها الاحتلال لمجلس الحكم حتى الان هي هذه المحاكمة، فان الامر لا يعني ابدا ماهو ابعد من تنفيذ ما قاله يهودي اميركي اسرائيلي اصولي اسمه جوزيف ليبرمان، قاله ناطقا باسم اميركا واسرائيل معا، تنفيذ انما يعني على ارض الواقع العملي عبارة بسيطة موجهة لمجلس الحكم: »ازحنا لكم النظام واعطيناكم السلطة وتركناكم تنهبون كما تشاؤون دون ان نتحرك حتى عندما انكشف اختفاء المليارات من صندوق النفط، وها نحن نسلمكم الرجل لتنفذوا فيه انتقامكم، فتفضلوا بدفع الثمن، ما اتفق عليه وما استجد، والا….«

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون