حتى كرازاي!…

صحيفة الدستور، 15-11-2003

»عراق حر ومسالم« هكذا يريده رامسفيلد، وصورة الخراف الحرة التي تريدها الولايات المتحدة للعديد من شعوب الارض، خاصة تلك التي يمكن ان تهدد اسرائيل او هيمنة واشنطن.

الخراف التي تكون حرة في ان ترعى في الحقل الذي يحدده لها الراعي، وحرة في التحرك ضمن الحظيرة التي دق لها اوتادها، وحرة في الثغاء والهرولة، شرط ان تقدم له في كل مساء ضرعها وحليبها، وفي كل فصل صوفها، وعند الحاجة لحم ابنائها.

لكن العراق ليس كذلك ولن يكون، والخيانة التي انضمت الى تفاوت القوى الهائل وسببت الانهيار السريع امام المعركة النظامية، لم تستطع ان تجعل من انهيار النظام انهيار البلاد لا ولا الشعب، وها هي الولايات المتحدة تعترف بانها تغير استراتيجيتها لان العدو غير استراتيجيته. هذا في حين تقول يديعوت احرونوت ان انسحاب الاميركيين من العراق هو امر غير مسموح به، لماذا ؟ لان ذلك سيعني انه من الممكن هزيمة القوة العظمى الاولى التي يستمد القمر الاسرائيلي نوره من شمسها، خاصة -وذاك ما لم تقله الصحيفة- وان المعادلة نفسها قد سبقت على صعيد اخر حين جاء الانسحاب من جنوب لبنان ليقول ان هزيمة القوة الاقليمية الاولى امر ممكن وبقدرات بسيطة، هي قدرات المقاومة الشعبية.

لكن ما تعتبره اسرائيل امرا غير مسموح به، قد يصبح امرا لامفر منه امام تعاظم عمليات المقاومة، وتزايد عدد النعوش التي تصل المطارات الاميركية، ومطارات الحلفاء كل يوم، هؤلاء » الحلفاء « الذين يتركوننا نقول : » سبحان الله الذي حول سنغافورة الى قوة احتلال وللعراق ! وسبحانه مرة اخرى هو الذي جعل بولونيا لا تكاد تخرج من تحت النير السوفييتي الا لتذهب لتشارك في قوة استعمارية غاشمة، ولكن…. سبحانه هو ايضا الذي جعل اليابان تعلن صراحة تراجعها عن ارسال قواتها الى بلاد الرافدين كي لا تضربها هناك وجوه الكاميكاز سمر الوجوه الذين حفظوا صغارا اسم ابي تمام و عمورية ونشيد اليوم جعل الاعداء « صفر الوجوه«.

بعيد يوم عمورية رغم جلجلة صرخات وامعتصماه، وبديله هذه التلبية الشعبية التي يحاول كل مناضل فيها ان يكون معتصما بذاته، وان يثبت ان السيف اصدق انباء من الكتب، تلك التي تدفقت كلها تتنبأ عن الورود التي سيحملها العراقيون للمحتل، وعن ملهاة التحرير تلك وعن الاستقرار الذي سيجعل البلد نموذجا للشرق الاوسط المستلقي على شواطىء بحاره وانهاره وخلجانه يستمتع بشمس الحرية وهامبورغر الديمقراطية تحت شمسية الكوكا كولا.

والعراق الذي يفتقر بملايينه الثمانية والعشرين الى واحد كحميد كرزاي،بحسب كولن باول برهن انه لا يفتقر الى مناضلين، يصفقون بايديهم لهذا التصريح الاميركي، مرتين، مرة لانه اكبر اهانة يمكن ان توجه الى هؤلاء المتعاونين الذين استماتوا في استقدام الاحتلال الى بلادهم، خاصة بعد ان سبق له وان قال بان اعضاء مجلس الحكم لا يعملون الا لمصالحهم الشخصية والعائلية، وبعد فضيحة المليارات الاربعة التي تبخرت بقدرة قادر.

ومرة لانها شهادة للعراق العراق الذي يفشل حتى من يريد ان يكون متعاونا مع الاحتلال، في تحقيق ما يريد.

حتى ولو كانت حجة بوش هذه في عدم وجود زعيم ككرزاي تأتي وكأنها رد على الدعوات الفرنسية الاوروبية، خاصة دعوة وزير الخارجية الفرنسية تحديدا الى تسليم الحكم الى حكومة انتقالية كما حصل في الفغانستان.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون