اسطورة كاملة احيطت بها شخصية وقصة جيسيكا لانش المجندة الاميركية التي سقطت في اسر القوات المدافعة عن البصرة، ومن ثم حررتها فرقة كوماندوس خاصة في عملية خارقة من حيث الاستطلاع والبطولة : »فتاة بطلة، ظلت تقاتل حتى نفاد ذخيرتها، وكانت مصممة على الا تستسلم حيّة، أي على ان تقاتل حتى الموت، غير ان جراحها الصعبة ونزفها الحاد اوقعاها مغمى عليها، فاستغل العراقيون الجبناء الوضع والقوا القبض عليها واغتصبوها، الى ان تدخلت قوات الكوماندوس في عملية بطولية وانقذتها«.
احداث صيغت باسطورية فائقة، لا تشبه باي حال ملحمة جلجامش، وانما تندرج ضمن سياق افلام الخيال الاميركي من سوبرمان الى غرندايزر .
فيلم سينمائي، فيلم تلفزيوني بثته محطة : ان بي سي، مقابلات في شتى وسائل الاعلام، وكتابان، شكل احدهما بداية الفضيحة، اذ ان صاحبه هو عراقي حقير، يعيش الان لاجئا في الولايات المتحدة الاميركية بعد ان هرب من البصرة مجتازا خطوط العدو ليبلغ الاميركيين بمكان وجود المجندة الاسيرة، ومن ثم يقودهم اليها .
كتابه يحمل عنوان: »لان كل حياة غالية«. وعنوانه لا يختلف عن افلام الكذب الاميركية لتي تغطي كذبها بشعارات انسانية، افلم تكن حياة اطفال العامرية غالية على هذا المرتزق الذي باع بلاده بحفنة من الدولارات؟ الم تكن حياة عشرات الاف الاطفال المشوهين نتيجة الاسلحة الممنوعة والحصار الجائر على بلاده غالية عليه، هو الذي كان يعمل محاميا ويعرف ما معنى الحقوق .
كتابه الذي جاء محاولة منه لتبرير فعلته من جهة، وعملية اضافية في طريق الاثراء عبر الخيانة شكل اول فضيحة للرواية الاميركية، اذ جردها من بطولة الاستخبار والوصول الى المكان بقدرة خارقة. في حين جاءت الفضيحة الثانية من البطلة الخارقة نفسها حين ظهرت على شاشة الـ »اي بي سي« لتعترف بانها لم تقاتل حتى نفاد ذخيرتها، ولم تكن تريد ان تفعل ذلك حتى الموت، وانما الحقيقة انها اصيبت بالتعب عندما اصيبت بجرح فاغمي علبها، وتضيف: »كل ما اذكره انني ركعت على الارض اصلي، ثم اغمي علي من الخوف«.
مجلة التايم كشفت ايضا عن الروايات التي سيقت على لسان جيسيكا في الافلام وفي الكتب، لم تكن تأخذ بعين الاعتبار ما تقوله المجندة نفسها التي تعترف بانها وقعت العقد دون ان تقرأ النص، لان العقد كان يعني بضعة ملايين من الدولارات.
اضافة الى هذه الملايين تتلقى جيسيكا 1200 دولار شهريا من الجيش، فهل هناك كذبة اغلى ثمنا ؟
الوجه الاخر للانسانية الاميركية، ان مجندة اخرى تدعى شوشانا طومسون اصيبت بما اصيبت به جيسيكا تتلقى 500 دولار فقط، والمبرر الذي تسوقه وزارة الدفاع ان اعاقتها اخف، في حين يؤكد القس جيسي جاكسون ان السبب الحقيقي كون طومسون سوداء وجيسي بيضاء.
ولسنا هنا بالطبع لنشفق على قاتلتنا السوداء من التمييز العنصري، بل لنقرأ باية منظومة قيم يأتينا هؤلاء »المحررون «!
منظومة تكتمل انسانيتها عندما توقع الادارة العسكرية عقوبة قاسية بملازم في الجيش الاميركي يدعى اندريا لانه اصيب بالاغماء عندما رأى مواطنا عراقيا ينشطر الى قطعتين وبضعة اشلاء، ويقول كتاب الادانة ان ذلك الاحساس هو عبارة عن »تصرف جبان«.
ابطال وهميون، بطولات من اكاذيب، خيانات تبرر لنفسها، تمييز عنصري، وادانة لاي حس انساني …. تلك هي مضامين هذه الحرب القذرة .