غدر جاك شيراك وفلاديمير بوتين بالصحافيين المنتظرين في ساحة الاليزيه، واستقلا الليموزين الخاصة بالرئيس الروسي من القصر الرئاسي الى المطار مباشرة . ليس هذا هو الخبر،فذاك ما تناقلته وكالات الانباء ويعرفه الجميع، لا ولا تحليل الحركة الاستثنائية المتمثلة في مرافقة الرئيس الفرنسي لضيفه الروسي حتى المطار رغم ان زيارته لباريس غير رسمية، بكل ما يعنيه ذلك من دعم لرئيس يخوض في موسكو معركة صعبة مع اللوبيهات والمافيات التي سيطرت على بلاده ونهبتها منذ سقوط النظام الشيوعي، خاصة تلك الشبكة التي كانت تعرف ب »العائلة« والتي تضم الرؤوس اليهودية الكبيرة وبطانة يلتسين ، بما تملكه من امتدادات عالمية لا يستهان بها .
المهم، والذي يثير الالم ان الاعلام الفرنسي الذي خرج هذا الصباح محاولا التكهن بما دار في الاجتماعات المغلقة بين الرئيسين، في غياب صدور بيان رسمي، تركزت حول القضايا التالية: ايران وقوتها انووية، العراق واحتلاله ونفطه، فلسطين وانتفاضتها ودولتها، قضية شركة النفط الروسية واعتقال رئيسها، واخيرا اوروبا .
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار خلفيات القضية، وما تعنيه هذه الخلفيات من ارتباط بالسيطرة اليهودية الصهيونية، بل والقريبة من الليكود الاسرائيلي على روسيا، فيما عبر عنه على سبيل المثال تقرير طويل صدر في صحيفة لو موند الفرنسية قبل اشهر بعنوان »ملوك اسرائيل«، فان مجمل المحادثات يكون قد دار بشكل او باخر حول منطقتنا .
هل يعني ذلك اننا مهمون كثيرا ؟ ام يعني اننا ضعفاء كثيرا ؟ ام هما معا؟
هل يعني ان مصير العالم يتقرر في هذه المرحلة من التاريخ على ارض بلادنا ؟ ام يعني ان مصير بلادنا يتقرر الان في عواصم العالم الا عواصمنا ام الاثنين معا؟
واذا كان السؤال الاخير هو الصحيح، فان التالي منطقيا هو ان المسؤولية الطبيعية لكل مسؤول سياسي، هي تحقيق مصلحة بلاده وبالتالي فان بوتين او شيراك او أي زعيم اخر غيرهما سيبحث قضايا حياتنا ومصيرنا بناء على ما تقتضيه مصلحة بلاده هو، وبما ان الطبيعي ايضا ان خطوط المصالح الدولية هذه قد تتوازى وقد تتقاطع وقد تفترق، فانه من الطبيعي ايضا ان يكون الحال كذلك بالنسبة لنا ولاي بلد اخر، لاية سياسة اخرى .وان تكون مسؤولية زعمائنا، ان يتبصروا بوعي خريطة شبكة العلاقات هذه ويبنوا مواقفهم عليها ويقتنصوا الفرص التي تتيحها .
كل هذا قد يبدو من البديهيات التي يبدو الكلام عنها من باب عدم احترام عقل القارىء، ولكن اذا كانت هذه البديهيات البسيطة نفسها غائبة عن سياق العمل السياسي للمسؤولين العرب، هؤلاء الذين نصبوا انفسهم قيمين على اقدارنا، فاي غياب لاحترام، ليس عقل المواطن فحسب بل حياته ومصيره ؟