فضائية صدام

صحيفة الدستور، 03-11-2003

من منا لا يذكر مقابلة طوني بن مع الرئيس العراقي صدام حسين ؟

لكن احدا لم يعرف يومها انه كان من المفترض ان تكون هذه المقابلة افتتاحا لمحطة فضائية عربية باللغة الانكليزية تحمل اسم عرب تي في.

الفكرة كانت فكرة صدام حسين نفسه، طرحها قبل اشهر من الحرب، وطلب العمل على تحقيقها، كما ناقشها مع النائب البريطاني جورج غالاوي الذي عرض استقدام تقنيين بريطانيين لتنظيمها، ورد عليه صدام حسين عارضا عليه المشاركة فيها.

وعندما جاء بن الى العراق كان برفقته وفد من التقنيين الذين كان من المفترض ان يبحثوا الامر، لكن طبول الحرب كانت اعلى من صوت الحلم ومن صوت الفضائيات.

هذه القصة يؤكدها سمان عبد المجيد المترجم الخاص للرئيس في كتابه الصادر مؤخرا، لكنه يروي في الفصل نفسه قصة تشكل مفارقة كبرى،وهي قصة الحديث التلفزيوني الاخير لصدام حسين الذي اجراه مع دان ريتر الصحفي الاميركي الشهير، وصاحب البرنامج التلفزيوني المعروف.. سيكس مينوت.. حيث اجرى ريتر مقابلته وسلمت للتلفزيون العراقي لمنتجتها مساء، ليأخذها ريتر في الصباح، لكن التقنيين الذين استلموها ذهبوا الى النوم متكلين على انهم قادرون على منتجتها صباحا، واذ اصطدموا ببعض الصعوبات التقنية فان ريتر غادر الى عمان حيث تنتظره طائرته، وهو يشد شعره، لانه كان قد اعلن للمشاهدين عن المقابلة، وتم تدارك الامر بان بثت المقابلة من بغداد مباشرة، عبر مكتب السي بي اس، دون ان يعرف الرئيس ما حدث.

هل يعكس هذا، الا اصطدام الحلم بالواقع، اصطداما يقول ان الاحلام الكبيرة وحدها لا تكفي اذا لم يعمد النظام الذي يحملها الى اعداد الناس القادرين على حملها او المستعدين لذلك، او المقتنعين به.

اجل كان صدام حسين رؤيويا كبيرا، وصاحب مشروع كبير لم يحمله أي رئيس عربي منذ عبد الناصر، وكان يرى بثاقب نظر الى اليات تنفيذ هذا المشروع، لكنه لم يبن نظاما يعد الانسان المناسب لحمل هذا المشروع، بناء يفترض اولا ان يشعر كل فرد بحريته وحقوقه وقيمته، وان يقتنع بالمشروع بحيث يعتبره مشروعه الشخصي، وان يعيش ثقافة مناسبة لذلك، فلا قدرة لثقافة استهلاكية او شللية تقوم على نفوذ العائلة او نفاقية تقوم على الكذب والتزلف وحمل بطاقة حزب لمجرد المكاسب التي تؤمنها.. ان تحمل مشروع مواجهة قومية حضارية كبرى، سقط عندما تأمرت عليه القوى الخارجية المعادية وامراضه الداخلية التي ككل الامراض تبرز عندما يصاب الجسم بالضعف.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون