لبننة العراق!

صحيفة الدستور، 30-10-2003

»كلا كلا اسرائىل، كلا كلا احتلال..«.

هذا الهتاف الذي اطلقته جماهير مدينة الحرية المتظاهرة احتجاجا على اغتيال محمد باقر الحكيم، هو اكبر من صفارة انذار عادية تخترق رأس الاستراتيجيين الاميركيين والاسرائيليين…

انه دوي اقلاع السفينة التي اذا ما تحركت بهذا الاتجاه، فانما لتضع هؤلاء امام المعضلة الكبرى: كيفية القضاء على مقاومة لا تتجاوز التقزيم في حدود عبارة »فلول النظام السابق« فحسب، وانما تتجاوز ايضا التصنيف الطائفي الذي يحاول حصرها بالعراقيين السنة، او بمن يقال انهم من العرب المتسللين عبر الحدود.

معضلة، كان من الواضح منذ ما قبل الغزو ان الاميركيين لن يستطيعوا حلها الا بإشعال الفتن الطائفية والعرقية داخل العراق، فإما استكانة وخضوع لقوات الاحتلال وما ينفذ تحت حرابها من مخططات واما حرب اهلية تحول مجرى القوة العراقية، من خط يتجه الى مقاومة الاحتلال وتصب فيه جميع الروافد، الى خطوط يصطدم كل منها بالاخر في عملية تدمير ذاتي تحقق ما عجز عنه المحتل، وتشغل العراقيين بعضهم بالبعض الاخر، في حين تتسرب تحت ذلك الضجيج رؤوس الحراب الصهيونية – الاميركية.

هي لبننة العراق، ولكن بطاقات تفجر اكبر بكثير، اولا لان التشظي اللبناني كان طائفيا فحسب، وفي جزء منه لبناني وغير لبناني، او لبناني وعربي.

اما في العراق فهو طائفي، اثني، وعراقي عربي.

حيث لم تأل ادارة الاحتلال، ومن ورائها جميع قوى الحرب النفسية وفي مقدمتها الاعلام جهدا في ترسيخ الطرح السني – الشيعي وحيث كانت الهجمة الساحقة على حزب البعث، والدعوة الملحة لاستئصاله، هي هجمة على الاطار – البوتقة الذي تذوب فيه الشروخ الطائفية والعرقية. وعملية احلال حاسم وسريع لصيغة اجتماعية وسياسية اخرى، تستبدل الصيغة العلمانية الموحدة للاعراق والطوائف في اطار وطني وقومي محدد، بتركيبة توازن شكلي ان هو في الحقيقة الا قرار للتجزئة والتفسخ وفرض تحويل الكتلة الوطنية الواحدة الى كتل متعددة متضاربة تعود بالبلاد الى مرحلة ما قبل المجتمع وما قبل الدولة، حيث ان هذين الاخيرين هما المرحلة المتطورة الناتجة عن اندماج الاعراق والاديان في جسم اسمه الوطن او الامة.

وفي حين نرى فرنسا مثلا تعمل على ادماج مهاجريها الذين جاؤوها قبل قرن او اقل، ونرى الولايات المتحدة تجهد في ادماج مكوناتها العرقية والدينية التي لم تلتئم الا قبل قرون. نرى هذه القوة نفسها، تعمل حثيثا على تشريح العراقيين، الذين هم كذلك منذ الاف الاعوام.

واذا كانت اخطاء الماضي وما زرعته من احقاد وحساسيات قد ساعدت المحتل على تنفيذ مخططه، فإن مخاطر المستقبل يجب ان تدفع صحوة ما في عروق العراقيين.

واذ نقول الماضي، فلا نقصد بها نظام صدام حسين فقط، بل الماضي الممتد من المرحلة العثمانية، وما تلاها من انتداب بريطاني.. وصولا الى الحرب العراقية – الايرانية وتمرد عام 1991.

غير ان المطالبة بالصحوة، تفرض السؤال: من الذي سيحمل لواءها؟

اهم الزعماء الدينيون الذين وجدوا في هذا التشريح القاتل فرصة لممارسة نفوذهم؟

ام هم الزعماء العرقيون المرتبطون بالاميركيين والصهيونية منذ امد بعيد؟

ام هم اولئك الذين اعتقدوا بسذاجة ان الدبابات الاميركية ستجرف لهم صدام حسين وتذهب؟

ام هم السماسرة والعملاء واللصوص الذين وجدوا في الاحتلال شريكا حاميا؟

اسئلة تقود الى سؤال واحد صعب: أهي اللبننة المحتومة اذن؟

ام ان ثمة صحوة ستبزغ من زاوية ما؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون