هل تعاني من مشاكل مهنية او عاطفية؟
هل لديك شكوك حول شريكك؟
هل تريد ما يقيك من الشر ويحصنك للمستقبل؟
اذن ما عليك الا ان تذهب الى البروفسور الحاج مامبا، ينجح حيث فشل الاخرون .. عنوانه: كذا كذا ….. (بالتفصيل مع المترو!)
ليس هذا مشهدا من مسرحية او مشهدا تلفزيونيا هزليا، ولا حديث همس بين امرأتين على فنجان قهوة، انه اعلان رسمي يبثه تكرارا راديو مديترانييه المتحدث باسم الجالية العربية في فرنسا، وها هو يقطع به نشرة الاخبار مرتين.
في رمضان نزل الى الساحة حاج اخر: »الحاج محمدي: الاخصائي في المشاكل العاطفية: يعيد الحبيب خلال خمسة ايام، يقضي على الضعف الجنسي خلال ثلاثة ايام، يجلب الرزق خلال اسبوع، يبعد الشر ويؤمن من الحسد« هكذا يقول الاعلان الذي يعطي عنوانه ايضا بالتفصيل. والطريف ان اعلان الحاج الاول يأتي متبوعا باعلان لشركات الطيران ورحلات الحج في حين يتبع الثاني اعلان عن تعلم اللغة العربية، ويرافق الاثنين اعلان لشركة ميكا كولا التي يردف الاعلان انها: »تتبرع بجزء من ارباحها لاطفال فلسطين«.
وعلى امتداد السنة ينتظر المشاهدون موعدا اسبوعيا مع »نجمة« التي تكشف البخت على التلفون للمستمعين ، وتعطيهم عنوان عيادتها للمراجعة، لكن نجمة غاضبة، اذ ان نجمة اخرى نزلت الى الساحة ، على اذاعة اخرى، منتحلة الاسم نفسه، واختلط الامر بين نجمة الاصلية والمنحولة، بحيث وصل الامر الى حد رفع دعوى انتحال اسم، وهذا جرم يعاقب عليه القانون في كل التشريعات، بالسجن وبالغرامات التي تتناسب قيمتها مع قيمة وشهرة الاسم المنتحل، وقيمة الضرر الذي يمكن ان يتأتى عن ذلك .
قد يكون الناس احرارا في اللجوء الى السحرة او المشعوذين، وفي الدعاية لمن يمارسون هذه الاعمال ولكن ان يصبح الامر مجال اعلان اذاعي للجمهور، وفي بلاد كفرنسا الامر يطرح اكثر من مسألة تتجاوز النكتة والسطح: فصحيح ان الجالية العربية هنا بغالبيتها المغاربية متآلفة مع هذه الممارسات المعروفة في بلدان الاصل، ولكنها هناك لا تصل الى هذا الحد من التسويق. واذا ما اخذنا البعد الاول لهذه العقلية نجد انها تحمل اول ما تحمل ضربا للعقلانية والعقلنة وبالتالي تناقضا اساسيا مع فكر التنوير والنهضة، بل والفكر الاوروبي الحديث. فهل يكون التجرؤ هذا ضربا من ضروب التحدي الاعمى، اللاشعوري في المجاهرة بالاختلاف والهوية؟
الا يبالغ الفقير احيانا في مظاهر فقره تحديا للغني، او العلماني في مظاهر كفر في مواجهة المتزمتين في تدينهم؟
اهي مبالغة الغرب في ماديته تخلق هذه المبالغة في اللاعقلانية؟
وهذا يقود بالتالي الى سؤال اخر: الى اين سيصل الامر بهذا النسيج الغريب: العربي – الفرنسي، وعما سيفرز، هو المشدود بين التضاد الناتج عن الرفض والتماهي الناتج عن رغبة في القبول؟
واذا كان التاريخ قد اعطى العرب ان يحملوا يوما الى اوروبا حضارتهم، فيؤسسوا لانطلاق نهضتها وحضارتها، فهل سيكون عقابها على انها لم ترد الجميل بالمثل، بل باستعمار تجهيلي، ان يعود اليها هؤلاء منتقمين عبر اعادة ما انجزته الى الوراء؟
لن يكون بمقدورها ان ترفضهم، فثلاثة ملايين صوت، ليسوا رقما سهلا في الانتخابات البرلمانية ولا الرئاسية.
ولكن، من جانبنا نحن: هؤلاء امتداد لنا وقوة، ومن مصلحتنا اقامة الجسور معهم، ولكن على اساس تنويري حداثوي يعالج طرفي نقيض: اما التنكر الكامل للاسلام وللعروبة، واما الانتماء الظلامي الجاهل الذي يغرق اما في الاصولية واما في هذه الخفة التي تجعل الكلمات المفاتيح في سلة الاعلانات المذكورة: الحاجان ونجمة = السحرة والمشعوذون، رحلات الحج = الاسلام، اللغة العربية، فلسطين، و …… ميكا كولا.