من النيجر الى العراق …

صحيفة الدستور، 23-10-2003

مساحتها ضعفان ونصف ضعف مساحة فرنسا، وموقعها على خريطة الثروة العالمية فريد، فهي ثالث منتج لليورانيوم، ورغم ذلك فان 36 بالمئة من سكانها الاحد عشر مليونا يعيشون تحت خط الفقر

وحظ كل منهم اقل من يورو في اليوم.

هؤلاء الاغنيا ء الفقراء هم الذين اصطفوا لاستقبال الرئيس الفرنسي من المطار وحتى العاصمة النيجيرية ممتنين لمبلغ التسعة واربعين مليون يورو الذي قررت فرنسا ان تقدمه مساعدة لبلادهم. تخصص بشكل رئيسي لتنقية مياه النهر الملوثة كي تصبح صالحة للشرب.

هل كان هؤلاء المساكين سعداء بانهم ان لم يستطيعوا ان يأكلوا، فعلى الاقل سيشربون، وما بها الماء الا تملأ البطون الفارغة، وتنقي الدم، وتنظف الامعاء؟

اوليس من الافضل الاقتصار عليها بدلا من شرب بكتيرياتها وميكروباتها وفيروساتها، كما تشرب شعوب الشمال الفيتامينات المطيلة للشباب والمجددة للذاكرة والواقية من الرشح، والمنعشة للجمال…. ان لم يكن حبوب الفياغرا؟

الاوساط الفرنسية تشكو من ان قيمة التبادل التجاري بين البلدين قد انخفضت الى 144 مليون يورو، أي ثلاثة اضعاف المساعدة المقترحة، وتامل في ان تؤدي زيارة الرئيس شيراك الى اعادة تفعيلها،والرئيس الذي لم يذهب الى افريقيا، في اول زيارة لرئيس فرنسي الى المستعمرة السابقة، مدفوعا بالهاجس الاقتصادي فحسب، وانما في جولة اخرى من المعركة التي يخوضها بنشاط كبير لتعزيز موقف فرنسا على ساحة التوازنات الدولية. في عملية متشابكة متبادلة، فتعزيز الموقف السياسي يؤدي الى تحقيق مكاسب اقتصادية اكثر ما تكون فرنسا بحاجة اليها الان وهي تعيش ازمة اقتصادية قلما سبق لها مثيل، وتحسين الوضع الاقتصادي يعني تعزيز الموقف السياسي لشيراك داخليا وعلى ابواب المعركة الرئاسية القادمة، كما يعني تعزيز موقف التحالف الفرنسي الالماني على الصعيد الاوروبي، وبالتالي تكريس القيادة له، مما يعني بالتالي تعزيز الموقف الاوروبي على الساحة الدولية وخاصة من حيث نمط من التوازن مع الولايات المتحدة الاميركية، توازن لا تريد اوروبا اطلاقا ان تقيمه على المواجهة وانما على اللعب والمساومة لاقتسام الحصص، وهذا ما يجب ان نفهمه نحن العرب لنفهم من خلاله واقع التحرك الاوروبي فيما يخص الساحة العراقية خاصة والعربية عامة.

واقع لا يخرج عن الرؤية التي عبر عنها دومينيك دو فيللبان، منظر الادارة الحالية، في كتبه، منذ ما قبل اطلاعه بمهام الخارجية بما ملخصه ان فرنسا لاتستطيع استعادة وضعها الدولي الا ب: الاحلام الكبيرة، والجرأة الكبيرة، وعلى رأس اوروبا.

وعبر عنه تطبيقيا يوم امس في مقال كتبه في صحيفة لو فيغارو بقوله : »ان على اوروبا ان تحدد مصالحها الستراتيجية وتدافع عنها«.

وقد يكون من باب الدلالة ان تنشر الصحيفة نفسها وفي العدد نفسه مقابلة مع بريمر تختار من اقواله فيها عنوانا: »ستكون لفرنسا حصة في اعادة اعمار العراق«.

واذا لم يكن مصطلح اعادة الاعمار هذا الا تعبيرا تجميليا لعملية نهب ثروات العراق، واذا كان ما يشغل العالم كله الان هو استئثار الاميركيين بهذا النهب، والعمل المسعور للتوصل الى (نتش) حصة من الغنيمة، فان الموقف التالي هو التمكن من منع ذلك كله، وهو ما تعمل المقاومة العراقية على تحقيقه، ولكن في موازاة هذا المسار، لا باس من دخول الاوروبيين الى الحلبة لان ذلك قد يخلق متنفسا من بين شقوق المنافسة، وقد يضعف الاميركيين وبالتالي الاسرائيليين، خاصة وان لاوروبا مصلحة جذرية في عدم تحول العراق الى نيجر اخر، يصبح حلم ابنائه ان تنقى مياه دجلة كي يجدوا فيها عزاء عن الطعام.

فهل كان من باب انذارات القدر ان يرتبط اسم العراق بالنيجر منذ ذريعة اسلحة الدمار الشامل، وحتى انكشاف كذبها على يد شهود اهمهم الديبلوماسي الخبير الذي ارسلته السي أي ايه الى النيجر للتاكد من الادعاء؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون