هجوم مضاد

صحيفة الدستور، 21-10-2003

هجوم مضاد، بل معركةاخرى في اطار الحرب العراقية، لكن هذه المرة على الساحة الاميركية نفسها، يشنها الرئيس الاميركي، ومن البيت الابيض هذه المرة لا من البنتاغون الذي يبدو مستبعدا على عكس ما كان عليه الامر طوال الفترة السابقة

بهذه العين تنظر الاوساط الاوروبية والفرنسية خاصة الى تشكيل الفريق الذي اطلق عليه اسم فريق اعادة استقرار العراق تحت ادارة كونداليزا رايس وتحديد مهماته باثنتين : التنسيق لمكافحة الارهاب والعمل على اعادة الاعمار، هذا في الوقت نفسه الذي يطلق فيه البيت الابيض حملة اعلامية لا سابق لها يتجند في خدمتها بدون كلل ليس فقط الرئيس نفسه ونائبه ومستشارة الامن القومي بل وزوجة الرئيس ايضا.

والواقع ان هذه المعركة ذات الصعيدين ليست الا جزءا من المعركة الرئاسية التي ستقرر بعد ثلاثة اشهر ما اذا كان انتصار الرئيس في الحرب العسكرية على العراق سببا في انتصاره السياسي ام في هزيمته. بل وفي انتصار حزبه ام في عودة الديمقراطيين الى الحكم.

لكن! هل انتصر الرئيس وادارته في العراق؟

وبالاحرى هل خدمت سياسة البنتاغون العراقية ادارة بوش وحزبه، بل والولايات المتحدة نفسها؟

استطلاعات الرأي تقول ان شعبية الرئيس تتدهور بشكل هائل وبحيث وصلت الى نقطة حمراء جعلته يبادر الى شن هذا الهجوم المضاد في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه

لذلك كانت النتيجة الفورية لذلك تحمل اكثر من دلالة : اولها ان محاولة الرئيس اظهار التفاؤل تخفي وراءها تشاؤما عميقا ، وثانيها انه عبر عمليا عن عدم رضاه عن سياسة رامسفيلد، وثالثها ادراكه العميق لان ارض الواقع العراقي جاءت مختلفة تماما عن اللوحة السوريالية التي رسمها التحالف المباشر او غير المباشر بين قوى المعارضة العراقية

(سابقا) التي لم تكن تاخذ في حسابها الا الانتقام من صدام حسين ولو بثمن خراب البلاد، والتحالف مع الشيطان، وذلك اما لحقد اعمى، واما لطمع فيما كان بيده من سلطة وثروة، وبين قوى اللوبي الصهيوني التي لم يكن بهمها الا التخلص من القوة العربية الاساسية في مواجهة اسرائيل، ولاجل هذا الهدف او ذاك، لجأ الطرفان الى اقصى ما يمكن من الكذب لتغليب قرار الحرب باسرع ما يمكن.

وعليه يأتي السؤال : من الذي انتصر في العراق؟

ومن الذي انتصر في واشنطن؟

في العراق انتصرت الصهيونية، وخسر العراق والعرب كله وكلهم.

وفي واشنطن يبدو ان المجمع الصناعي العسكري هو وحده الرابح على الساحة العراقية، وان الديمقراطيين هم الذين سيفيدون من الفشل الجمهوري.

اما على الساحة الدولية فيبدو ان القوى الكبرى الاخرى هي التي ترقب وتتحفز لاستعادة مواقع ما سواء على الخريطة السياسية ام الاقتصادية، ومباشرة طريق ما نحو توازن دولي جديد يحتاج الى اقل من الف ميل.

تحول تاريخي علينا الا ننسى فيه حقيقتين :

الاولى ان ايا من ملامحه، بما فيها خسارة الجمهوريين، ام اضعاف الولايات المتحدة، ام عودة الاوروبيين والروس واسيا الى ساحة التأثير الدولي ام… ام… لن تصب في صالحنا بطريقة تلقائية، كما لم يكن التحول الدولي من الاستعمار القديم الى الامركة كذلك.

والثانية انه لا فضل لاحد في هذا العالم فيما يحمله جورج بوش في قلبه الان من غصة مفاجأت سيئة، وخوف خسارة، الا لاولئك المقاومين الذين يتلفعون بالنار ويحرسونها ككهنة المجوس.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون