تشعر بالذنب؟ تشعر بالندم؟ تتأرجح بين موقفين: اما الاعتذار واما المكابرة.
كلاهما سهل، حتى ولو بدت فيهما بعض صعوبة، اما الموقف الجذري، الاصعب فهو: التوبة .
هذا ما تقوله فلسفة الزن، ذلك المذهب الشرقي الذي يقوم على ان الدين والعبادة انما هما السلوك اليومي، وفي فصل رائع بعنوان: »التوبة« من كتاب: »العودة الى الصمت« »ممارسة الزن في الحياة اليومية« لداينين كاتارجيري، يقول الكاهن الاول لمركز التأمل في مينوسوتا:
»ان تندم، وان تتوب لا يعني ابدا ان تعتذر للاخر، لان ذلك لن يقودك الى السلام الدائم بل سيخلق نوعا من الثنائية غير المريحة، في حين ان التوبة تضعنا في قلب السلام والانسجام، لانها ذلك الانفتاح الكامل للقلب على الكون«.
ويمضي كاتارجيري محددا ثلاثة شروط للتوبة: الاول هو ان نقبل الاخرين كاجزاء من الكون وان نغفر لهم، الثاني ان نجعل الذات »الايغو« تقبل الحقيقة، قبولا لا يعني الا التطبيق في الحياة اليومية في السلوك . وسلوكا يقوم على مبدأ »ان لي الحق في الحياة، اذن عليّ ان اثمّن حياتي ولا ابتذلها او اتفهها«، اما الشرط الثالث فهو ما يسميه: الطقس، الذي يقيم ذلك التفاعل الحي والمتبادل بيننا وبين الكون، ويمثل عليه بقصيدة جميلة لجاك بريفير تقول:
»ارسم اولا قفصا ..
مفتوح الباب .
ارسم من ثم
شيئا حلوا
شيئا بسيطا
شيئا جميلا
شيئا مفيدا … للعصفور
ضع اللوحة على شجرة،
في حديقة، في غابة،
واختبىء.. وراء الشجرة
دون ان تتحرك، دون ان تقول شيئا،
وسيأتي العصفور،
احيانا، بسرعة، وقد يتأخر سنوات …قبل ان يقرر
لا تيأس، واصبر
اذ لا علاقة لبطء او سرعة مجيء العصفور بنجاح اللوحة«.
كاتارجيري يفسر قصيدة بريفير، كالتالي: القفص يعني جسدنا، فما نحن الا اقفاص، وهو يجسد العالم كله، اما الباب المفتوح فهو القلب المفتوح للحقيقة، وهو القبول برحابة الكون، اذ اننا في الغالب نقفل باب القفص على ذواتنا، ونبقى في الداخل، فكيف يمكن للحقيقة ان تدخل الينا،اما العصفور فهو الحقيقة، وكيف يمكن ان نجذبه اذا كان الباب موصدا؟ وبالتالي يطالبنا الشاعر بان نرسم شيئا حلوا وجميلا وبسيطا، أي شيئا يتجاوز العقل والمادة الى الروح والجمال والسمو، لاجل الحقيقة، ومن ثم نضع اللوحة على الشجرة ونختبىء، أي ان نمارس العطاء الجميل لاجل الاخرين، لاجل الكون، والحقيقة، و… نعود الى الصمت الجميل، كما عنوان الكتاب، فنشعر بهذا الصفاء الداخلي، بهذا الانسجام الممتع، بهذه الرحابة التي جعلت من داخل القفص امتدادا للكون …
الكاتب يقول واثقا، ان العصفور سيأتي عاجلا ام اجلا، لانه في حقيقة الامر موجود في مكان ما حولنا في الغابة، ولكن هل العصفور المنتظر شيء اخر غير هذا الاحساس الجميل؟