الغائب الاكبر!الغطرسة!…

صحيفة الدستور، 17-10-2003

قبل اشهر، قبل العدوان الامريكي وخلاله، كان العالم كله يتحدث، مؤيدا او مستنكرا، عن الغطرسة الامريكية، والان وبعد ثلاثة او اربعة اشهر فقط، وكأنما السحر قد انقلب على الساحر، يتحدث كاتب صحفي امريكي كبير عن »الغطرسة« الاوروبية وعلى الاخص الفرنسية. وذلك في معرض دعوته اوروبا الى مساعدة الولايات المتحدة الامريكية للخروج من المأزق العراقي، عبر ارسال قوات اطلسية او اوروبية الى بلاد الرافدين، لمساعدة الجيش الامريكي على قمع المقاومة المتنامية وعلى تنفيذ المخطط الامريكي الموضوع، ليس فقط للوطن المحتل عسكريا بل وايضا للوطن الكبير المحتلة ارادته وللشرق الاوسط المحتلة قدرته واستقلاليته.

بالامس طرحت فكرة استقدام قوات اسلامية، باكستانية او غيرها، ولكن الفكرة حيدت لصالح قوات اوروبية. الاوروبيون من جهتهم راحوا يتدللون، لا بحسب مدلول الكلمة باللهجة العراقية، ولكن بحسب مدلولها العام الذي يجعل كاتبا فرنسيا يقول في المقال الرئيسي لاحدى اهم المجلات السياسية: نحن لم نشارك في قرار الحرب لنشارك في تحمل الورطة التي ادت اليها، ولكن اذا كان هناك من يقول بانه لا يجوز ترك الولايات المتحدة تفشل كي لا ينعكس ذلك على جميع الديمقراطيات في العالم، وانه لا بد من ان نمد لها يد العون، فان ذلك قد يكون صحيحا، ولكن المطلوب منا لا يقتصر على المشاركة في تحمل الاعباء الناتجة عن الحرب وانما في تحمل خطأ الحرب نفسها وهذا كثير. وحتى تحمل النتائج فانه لا يمكن لنا ان نشارك فيه الا اذا اتفقنا مسبقا مع الامريكيين على ما يراد للعراق بعد الحرب.

هذا باختصار ملخص الموقف الذي يجسد اسلوب تاجر ذكي في المساومة واسلوب ند شامت ازاء شريك اراد له وبفظاظة التحول الى تابع. فرفض وتركه يخطىء وحده منتظرا اللحظة التي سيضطر فيها الى العودة اليه طالبا المساعدة.

في تعبير اخر يقول المحلل المذكور: »الولايات المتحدة تريد من شيراك وشرودر ان يتصرفا كتوني بلير، لكن هذا الاخير قد احرق جناحيه وراء الامركيين في حين احتفظ الاخران باجنحتهما سليمة.

فهل حافظا على الاجنحة كي يتمكنا ان يطيرا بها الى الكعكة العراقية بعد ان تنتهي العاصفة ويبدأ الحفل؟

اهو دهاء العجوز الذي ارادته الادارة الامريكية عيبا تصم به اوروبا فاذا هو في المحصلةميزة تحسن توظيفها؟

واذن الرهان على من يضحك اخيرا، ولكن، السؤال الكبير الكبير، والخطير هنا هو: اين نحن من كل ذلك؟ اهو قدرنا ان نظل ارث رجل مريض، يتهافت الطامعون على اقتسامه؟

واذا كانت اوروبا تفرك كفيها وهي تنظر بتحفظ الى بوش وبلير وهما يغرقان في المستنقع العراقي، وتقبل بتباطؤ مقصود ومساومة مدروسة مد يد العون اليهما، مقابل المشاركة في رسم مستقبل العراق والمنطقة ومقابل المشاركة في الانتفاع من ثرواته وثرواتها، فان الغائب عن حفلة الارث هو الابن الشرعي والوحيد.

واذا كانت اوروبا تستفيد من الوضع لاخذ مواطىء القدم في المنطقة التي تشكل مداها الجيو- سياسي، الضروري لتحقيق نوع من التوازن مع الولايات المتحدة، ولضمان وجودها ومستقبلها كقوة عالمية ثانية، فهل نحن كعرب في وضع يؤهلنا لمواجهة هذا التنافس علينا؟

واذا ما جاءت قوات اوروبية الى العراق.. فهل ستكون شيئا اخر غير قوات احتلال؟

هل سيفيد ذلك العراقيين الا في ايجاد مخرج سيكولوجي من معادلة: اما نظام صدام حسين واما الامريكيون. والعرب عامة في تحقيق متنفس شامت لكراهية وحقد يحسانهما ازاء العم سام؟

لقد تقاتل الدولار واليورو عقدا من الزمن على ارض الجزائر وبدم ابنائها، فهل سينتقل الموت الى ارض الرافدين؟ ام انهما سيجدان هنا صيغة صفقة ما على اقتسام الكعكة وامتصاص اخر نقطة دم في شرايين العراق؟

الرهان هنا على المقاومة وحدها فلو كنا جسدا حيا لدارت المنافسة حول ايجاد صيغة للتعامل معه، اما اذا كنا جثة ميتة فان اقتسام اشلائها هو الصيغة الوحيدة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون