ابي الحركي

صحيفة الدستور، 27-09-2003

يوم الحركي، يوم تخصصه فرنسا سنويا للحركي، هؤلاء الجزائريون الذين تعاونوا مع المحتل ضد ثورتهم، حتى اذا انتصرت حركة التحرير الجزائرية تركهم الاحتلال لمصيرهم، فمنهم من وقع بيد المقاتلين الثوار الذين ذبحوهم في مجزرة قضت على مئة وخمسين الفا منهم، ومنهم من اعتقد ان حظه افضل اذ قيض له ان يهرب مع القوات المنسحبة الى فرنسا.

واليوم بعد حوالي خمسين عاما يتكرر يومهم، وتعطيهم وسائل الاعلام فسحة ما للتعبير عن انفسهم:

رجل عجوز لا يتحدث الفرنسية الا بصعوبة، يشكومن الظروف السيئة التي ما يزال يعيشها هو ومن مثله على الارض الفرنسية، وفي مقدمتها العزل السكني والبؤس المادي والتعامل المذل، الخ ….

وصبية شابة نخرج وملامح كآبة خاصة على وجهها الاسمر الهادىء، تقدم كتابا بعنوان: »ابي الحركي«.

في كتابها الذي تعمدت نشره في اليوم المخصص للحركي، تتحدث الصبية الجزائرية الاصل عن كل ما رواه لها ابوها الحركي، عن ظروف ومجريات الثورة الجزائرية، عن الانتصار وعن الانسحاب الفرنسي، وعن المعاناة المرة التي عاشها الحركيون، من قسوة انتقام الثوار الى قسوة تعامل الفرنسيين، قسوة نفسية تصدر عن ذلك الاحساس المر بالغدر، بالتخلي، بالاحتقار المزدوج، ذاك الذي يواجههم به الفرنسيون وذاك الذي يعاملهم به العرب الاخرون… وقسوة فعلية تبدأ من اسلوب الاجلاء وتتعدى الى وضع هؤلاء وعائلاتهم في معسكرات معزولة لا تتوفر فيها ادنى الظروف الانسانية المعيشية المتوفرة للمواطن الفرنسي، وعدم انفتاح فرص اخرى امامهم خاصة وان اغلبهم لا يتقن الفرنسية وعدم تمتعهم بالحقوق الطبيعية اللازمة للانسان في مجتمع حقوق الانسان والمواطن.

والاهم ان هذه الصعوبة وهذه القسوة ما تزالان تنسحبان على اولادهما بعد جيل او جيلين من انتهاء الثورة، بحيث تصرخ هذه الكاتبة الشابة : ما ذنبي اذا كان ابي خركي؟

ولكنها لاتجرؤ رغم ذلك على ان تطالب الوطن الام بأي شيء، بل توجه مطلبها وبقهر شديد الى الفرنسيين، الذين لاندري كم يملكون من الاستعداد للاصغاء اليها.

صرختها، كتابها ذكرني بكتاب صدر في الولايات المتحدة قبل عامين لكاتبة في عمرها تقريبا، هي ابنة احد قادة قوات سايغون المتعاونة مع الاميركيين ضد ثوار الفيتكونغ في الحرب الفيتنامية، وفيه تتحدث الفتاة بحرقة مشابهة عن الاميركيين، ولكن ايضا، بانتماء عميق جدا الى فيتنام يجعلها تسترجع اساطيرها القديمة لتحلل العقلية النضالية المتأصلة لدى هذا الشعب، كما يجعلها تفتخر بعم لها كان مقاتلا في صفوف الثوار.

وفي استدعاء اخر غير بعيد يعيدنا الاثنان الى تعامل اسرائبل مع ميليشيات انطوان لحد خلال الانسحاب من جنوب لبنان. لا لنشفق على احد من هؤلاء بل لنتمنى لو ان وسائل الاعلام العربية تركز عليهم جميعا، درسا لعل جميع المرشحين للتعامل مع الاحتلال في مكان، خاصة في فلسطين والعراق يتعلمونه.

الكاتبة الفيتنامية تبدأ كتابها باستعادة اسطورة قديمة تقول انه عندما احتل جنكيز خان الصين بات في حكم المؤكد انه سيحتل الفييتنام وعندها لجأ القائد الفييتنامي الى خطة غريبة اذ طلب من جميع مواطنيه ان يكتبوا بالعسل على كل اوراق الشجر عبارة: عليكم ان ترحلوا، العسل اجتذب النمل الذي نخر الاوراق كلها بهذه العبارة، وعندما دخل الجيش الغازي اصيب بالرعب اذ ظن ان ثمة قوة ماورائية وراء ذلك، فلاذ بالفرار ونجت البلاد من الاحتلال.

الكاتبة ارادت بذلك ان تحلل تجذر روح المقاومة لدى شعبها، لكنها دون ان تقصد قالت شيئا اخر، هو ان من يقبل ان يكون دوره في المقاومة اقل من دور نمل بلاده، فليس له ان ينتظر معاملة افضل لا من قبل مواطنيه ولا من قبل المحتل نفسه.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون