اقتسام المدين

صحيفة الدستور، 24-09-2003

عندما كانت روما ما تزال في عصورها المظلمة، كان العرف انه اذا ما عجزالمدين عن الايفاء اقتسم الدائنون املاكه، فان لم يكن مالكا، اقتسموا جسده.

واليوم اذ يعلن وزير مالية الامارات في مؤتمر دبي ان انعقاد المؤتمر في هذا البلد العربي انما يدل على اهمية الدور الذي تلعبه المنطقة في الاقتصاد العالمي. تعلن الدوائر الدولية المختصة ان الدين الخارجي العربي قد ارتفع خلال العقد الاخير بنسبة سبعة اضعاف، ويقول محافظ البنك المركزي السوداني، على سبيل المثال، ان دين بلاده يتشكل بنسبة 52 بالمئة منه من فوائد الدين الاصلي، أي ان خدمة الدين تجاوزت الدين نفسه، تماما كما يحصل في اية عملية ربا جشعة عادية، يقف فيها المدين متسولا المرابي ان يساعده في اعادة جدولة الفوائد ويمنحه مهلة اضافية للدفع . وهذا ما ينطبق على جميع الدول العربية الواقفة متسولة على باب نادي باريس.

غير ان هذا المرابي العالمي، المتمثل في الدول الصناعية الكبرى، لا يتورع عن تطبيق العرف الظلامي القديم في اقتسام جسد المدين، وها هو الجسد العربي، وفي اغلى بقاعه يتوزع سياسيا على مشرحة اوضاعه الاقتصادية وديونه ، التي يسقط بفعلها في العبودية المزدوجة : مزدوجة، بحيث ان السيطرة على نتف هذا الجسد انما تترك للشركات المتعددة الجنسيات والشركات التابعة لهذه الدول استنزاف الثروات دون ان يسجل ذلك في قائمة وفاء الدين الذي يظل بدوره قائما كما هو ومستحقا للدول .

فالسودان، سلة الغذاء، لاينفعها اضافة اكتشاف النفط الى ثرواتها في تجنب المجاعة والفقر، وبلاد حوران »اهراء روما« لا ينفعها تكدس الثروات الطبيعية والموقع الجغرافي في تجنب العوز، والمغرب العربي أرض الخيرات لا ينفعه شيء في إخراح 60 بالمئة من سكانه من الامية، وحوالي 50 بالمئة من تحت خط الفقر، وكل ذلك يهون امام سقوط دول النفط، وفي مقدمتها مالكة النفطين: نفط الارض ونفط الحج في حفرة الدين الخارجي، هذا عدا عن ارض كل ثروات الارض الجاثمة مابين النهرين.

وبما ان فوائد الدين التي تدفع للدول الصناعية تساهم في تمويل التنمية في هذه الدول، التنمية الصناعية التي تستعبدنا بها اقتصاديا، والتنمية البشرية التي تستعبدنا بها ثقافيا وانسانيا، فان عملية اقتسام جسد المدين تكتسب قوة وجبرية اكبر، لتتحول هذه الديون الى وسيلة تهديد حينا ووسيلة اغراء حينا آخر، عندما يقتضي الامر فرض الموافقة على قرار يتناقض ومصلحة الامة في حاضرها ومستقبلها وتتعدى بذلك الى اقتسام ارادته، وقراره، حاضرا ومستقبلا.

واذا كان المواطن البسيط – مثلي – لا يتقن الدخول في تعقيدات التحليلات الاقتصادية، فانه يدرك وبالمعايشة البسيطة ان المسؤول عن عوزه في بلاده الغنية، وعن عبوديته في هويته الحرة انما هو ذلك التواطؤ المريع بين من يمتص دماءه داخليا، ومن يمتصها خارجيا بحيث تأتي حصة الاول نسبة السمسرة المستحقة عن بيعنا للثاني .كما يدرك ان المسؤول عن أي امر عام هو ذلك الجهاز الذي يسمى الحكم، والذي يفترض ان تعاطيه السياسة انما يعني سوس امور العباد ومصالحهم، أي توزيع ثروات بلادهم لا الفقر عليهم.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون