ما هو اخطر من الاحتلال

صحيفة الدستور، 23-09-2003

الاحتلال ! هل هناك ما هو اخطر منه؟

اكثر من خمسين سنة ونحن نعيشه، في فلسطين في اجزاء من سوريا ولبنان والان في العراق، سيول بركانية من التدمير وسيول قانية من الدماء، سواد عذابات وبياض موت. تهجير مقابل هجرة ومصادرة مقابل استيطان واحلال مقابل طرد.

لكن ثمة ما هو اخطر من ذلك كله، انه احتلال الوجدان: العقل والروح. فقد دلت تجربة جميع الاحتلالات في التاريخ انه طالما ظل الوجدان الشعبي حرا طالما ظل القلب واعيا، وطالما ظل الفعل قائما ومصادما.

قاعدة، لم يكن ادل على صحتها من واقع النضال الفلسطيني، ومن ورائه من اراد الالتحاق به من العرب، رغم كل القمع الداخلي والخارجي، ورغم كل الاختلال في موازين القوى.

واذ نقول من العرب، فان النسبة تتبدى عالية جدا اذا ما اتضح اننا لا نقصد النظام الرسمي العربي وانما المد الشعبي، فلطالما رأينا صدق الاستجابة لنداء الوجدان القومي، عند كل منعطف وكل انفتاح كوة للتعبير.

غير انا لم نكن وحدنا من يرى ذلك، فأولئك المخططون الاستراتيجيون، سواء في الدوائر الغربية الاستعمارية، او في الدوائر الصهيونية يرصدون جيدا معنى ان تكون نتيجة استطلاع شعبي يجري في مصر حول سؤال: ما هي القضية الداخلية التي تتصدر سلم اولوياتك ؟

هي تركز الغالبية العظمى للاجابات حول: »القضية الفلسطينية«

ويرصدون جيدا هدير المد الشعبي الذي اثارته الانتفاضة او تحرك لاجل العراق.

واذا كنا نحن العرب نشعر بالكثير من اليأس والاحباط لاعتقادنا بان هذا المد انما قصر ازاء القضيتين، فان هؤلاء، وهم يرون الى ابعد من الان واللحظة، يدركون تماما، ان العاملين الرئيسيين اللذين يضمنان هذا التقصير، وهما الظروف الدولية الحالية التي ينجم عنها الكثير من الاحباط والكثير من اليأس وغير ذلك من التعقيدات، والكمامة الخانقة التي تشكلها الانظمة العربية الحالية، هما عاملان مؤقتان مهما اعطيت لهما الحقن المطيلة للعمر.

لذا فان الحاجة الملحة والاساسية، هي الافادة من فترة بقاء هذا الظرف للعمل على ارساء احتلال من نوع اخر، هو الضمانة المستقبلية،للاحتلال الحالي، أي ارساء احتلال الوجدان العربي، العقل والقلب، وليس افضل طريقا لذلك من المناهج التربوية، اذ العلم في الصغر كالنقش في الحجر، من الصعب جدا تغييره فيما بعد.

وعليه كان البند الاساسي في كل مقترح معاهدة سلام بين العرب واسرائيل، هو تغيير المناهج التربوية، وكان من اول الانباء التي تسربت بعد احتلال العراق هو تخصيص الادارة الاميركية مبلغ 75 مليون دولار لتغيير المناهج التربوية العراقية، تغيير بدا قبل ذلك في الكثير من الدول العربية وان تحت ستار من الصمت اشبه بدس السم تدريجيا، ولن تعوز القائمين على ذلك الاقنعة التجميلية والعناوين الترغيبية ذات المعاني التي لا يستطيع احد انكارها من الخارج بينما تخفي وراءها سما قاتلا من الداخل: التسامح، مكافحة الكراهية، مكافحة العنف والاصولية، الى ما هنالك….

فماذا نفعل نحن المثقفين والناشطين ازاء ذلك؟

هل نترك التخريب يجري دون رد فعل؟

هل نعتمد على النظام الرسمي وهو الذي نسي مجرد رفع الاصبع في وجه الاميركيين واليهود ؟

هل نترك التعديلات تسحب العمود الفقري من اجيالنا وتحولها الى مخلوقات رخوية، وتستبدل السنتها الانسانية بالسنة ببغاوية؟

ام نفعل شيئا عمليا يقوم على خطين: الاحتجاج على كل ما يحصل والتدخل في عملية اقراره،من جهة، ووضع مناهج بديلة موازية من جهة ثانية واعتماد خطط مكثفة في المجال الثقافي والفني لنشر وترسيخ مايراد محوه من قيم ايجابية حقيقية.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون