مخاوف!

صحيفة الدستور، 17-09-2003

لماذا تريد اطراف كثيرة للامم المتحدة ان تتولى شؤون العراق؟

كثيرا ما تلتقي النتائج رغم اختلاف النوايا، ولكن هذا النوع من اللقاء لا يلبث ان يسفر فور تحققه عن خلاف جديد.

ايف لاكوست، اسم كبير ومعروف في اوساط المؤرخين وعلماء السياسة الفرنسيين، خاصة الاشتراكيين منهم، و رئيس تحرير مجلة معروفة : »هيرودوت« يعبر في مقابلة اذاعية عن تبرير غريب لضرورة استلام المنظمة الدولية زمام الامور هناك، فيقول ان علينا ان نتذكر تجربة فيتنام، وكيف غادر الاميركيون البلاد فجاة تاركين القوات الشيوعية تتقدم لاستلامها وحكمها. وتوقع ما يمكن ان يحصل فيما لو لم يتحمل هؤلاء تنامي المقاومة العراقية وتدفق المتطوعين العرب عبر الحدود، فحزموا حقائبهم وغادروا العراق فجاة، افلا يمكن، عندئذ ان تقوم في شرق العالم العربي دولة عربية موحدة تملك مقومات القوة وتحقق ما اراد الاميركيون منعه؟ -يسال لاكوست ذ

منطق غريب يحمل اكثر من بعد ودلالة : اولها الاعتراف غير المباشر بان الخطر الحقيقي الذي اراد هذا الغرب، ويريد منعه هو امكانية قيام وحدة تقضي على التجزئة القومية في هذه المنطقة سواء كان من يقود التحرك باتجاهها يحمل اسم صدام حسين ام اسم جمال عبد الناصر، انطون سعاده ام زكي الارسوزي!

وثانيها، ادراك عميق بان فكرة الوحدة هذه لاتسقط بسقوط أي قائد من هؤلاء او سواهم، وانها ربما تجددت على يد اخرين اقدر على تحقيقها، لانها في حقيقة الامر كامنة في صميم الوجدان الشعبي، حية فيما هو ابعد من اخطاء السياسة.

وثالثها ان اوروبا التي رتبت يوما مائدة سايكس ذ بيكو لا تريد ان تتراجع عن الخريطة التي رسمها المشرط على الجسد المسجى حيا.

اما الدلالة الرابعة والمهمة فتعود الى قضية العلاقة بين البعدين القومي والاسلامي : فلطالما عبر السياسيون والستراتيجيون الغربيون عن تخوفهم من ان تؤدي حرب العراق الى طغيان المد الاسلامي، بوجهه الاصولي المتشدد والعنيف وابرز مثالين ما كتبه في حينها مسؤولين بارزين في الصف الاميركي والفرنسي، حيث قال كولن باول، رئيس الاركان في حينه : انه مما لاشك فيه اننا نحتاج الى السيطرة على العراق والخليج العربي في مواجهتنا الستراتيجية المقبلة مع اوروبا واسيا، لكن اللجوء الى القوة في تحقيق ذلك سيؤدي الى امرين خطيرين : تنامي الكراهية للولايات المتحدة، وتنامي المد الاصولي الاسلامي في منطقة ما يزال ايات الله يحكمون جزءا كبيرا منها

لكن باول العسكري وضع تحفظاته جانبا وانصاع عندما علق رئيسه الهدف على راداره، على حد تعبيره هو.

في حين ان المسؤول الاخر، جان بيير شفينمان، لم يكن مطيعا الى هذا الحد، فقدم استقالته من وزارة الدفاع، ليصدر كتابا يوضح فيه مبرراته، مذكرا بما كان قد قاله لصحيفة لو موند من ان نمو الاصولية والعنف على الشاطىء الشرقي للمتوسط لن يلبث ان ينتقل الى شاطئه الغربي فيما لايستطيع التوازن الهش للمجتمعات الاوروبية تحمله، ولعل ذلك ما قصده الرئيس الفرنسي جاك شيراك، عندما قال قبل يومين بان الاصرار الاميركي على الحل الامني سيؤدي الى تنامي ظاهرة خطيرة هي المقاومة.اذ انه يرى ان الملامح التي تكتسبها هذه المقاومة هي ملامح اسلامية اصولية، رغم العديد من الجهات الغربية ومنها الفرنسية، قد عملت منذ ما قبل الحرب على البحث عن قوى علمانية عراقية لدعمها، بحث ما تفهمناه وقبلناه، لكننا نعرف انه سيؤدي الى مازق لدى اولئك الذين تخيفهم فكرة الوحدة، فالعلمانيون قوميون، والقوميون لا يخرجون عن اعتبار الاسلام حضارة الامة، فيما هو ابعد من الدين وبعيدا جدا عن الاصولية.

مأزق يفسر عمل بعض الجهات على تشجيع الاتجاهات العلمانية المنسلخة وغير المنتمية وتجاهل او ضرب القوميين العلمانيين. في حين لاترى جهات اخرى ضيرا من التعامل مع هؤلاء بمن فيهم البعثيون. وهنا لايمكن اطلاقا اهمال الدور الذي تلعبه الصهيونية العالمية ومؤيدوها، فسايكس بيكو لم تكن الا مقدمة لتنفيذ وعد بلفور الذي تجاوزته اليوم »دولة اسرائيل«.

هكذا تفهم غرابة ان يكون لدى القارة التي تفعل المستحيل لتدعيم الوحدة بين مجموعة اممها، تخوف اخر من امكانية بعيدة لتحقيق الوحدة في امة واحدة

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون