هل يمكن ان يصبح الاحتلال مجرد رؤية؟
صحيفة اوروبية محترمة تقيم الموازاة بين خطاب كولن باول في قصر المؤتمرات في بغداد، وبين ماحصل في الفلوجة في اليوم نفسه ، وتقول انها الموازاة القائمة بين رؤيتين متناقضتين يقبع بينهما ستة وعشرون مليون عراقي رهائن في اسوأ حال .
» نحن لسنا محتلين بل محررون« قال الوزير الاميركي :
و»هكذا سنحرق عظام الاميركيين« قال عدد من الاطفال للصحفي الفرنسي وهم يمسكون بايديهم عظما متكلسا لجندي اميركي قتل في تفجير ناقلة اميركية بالقرب من المدينة التي تشهد اعنف المواجهات بين الاحتلال واعوانه وبين المقاومة العراقية
فهل هو امر خاضع للنقاش عما اذا كان الاحتلال تحريرا يجب القبول ببقائه طالما رأى هو ان بقاءه ضروري كما قال باول، ام احتلال تجب مقاومته بكل الوسائل حتى يعيد البلاد والسيادة عليها الى اهلها؟
مطلب ارساء السيادة هذا هو ما تطالب به عدة دول على رأسها فرنسا التي دارت بين وزير خارجيتها ووزير الخارجية الاميركي مناظرة امتدت من جنيف الى العراق حول مفهوم الواقعية، ففي حين قال دو فيللوبان انه من غير الواقعية ان يعتقد الاميركيون انه بامكانهم بدون تغييرات سوى زيادة عدد الجنود وزيادة المبالغ المالية ومباركة شكلية من مجلس الامن، ان يحدثوا تغييرا في الوضع ويخرجوا من المأزق العراقي. رد عليه باول في خطابه في قصر المؤتمرات في بغداد بحدة وان يكن بطريقة غير مباشرة مؤكدا على ان ارساء السيادة هو المحطة الاخيرة في السياسة الاميركية في العراق وليس نقطة الانطلاق .وبان الاميركيين لن يبقوا يوما اكثر مما يلزم.
فكم هو هذا الما يلزم ؟ ويلزم لماذا؟ أي ما هي الاهداف التفصيلية التي يجب تحقيقها قبل الانسحاب ؟
العناوين الكبرى لا يجهلها احد، ويمكن تلخيصها بكلمات : النفط، اسرائيل، والحفاظ على التفرد الاميركي في قيادة العالم.
وهنا يجب الاعتراف بان الهدفين : الاول والاخير هما الاصعب على التحقيق لان لعاب الجميع يسيل حول الاول، وكذلك يجد الجميع ايضا في المأزق الاميركي الصعب فرصة تاريخية لزحزحة الهيمنة والتفرد الاميركيين، ان لم يكن باتجاه الالغاء او حتى الاضعاف فانما على الاقل باتجاه قبول المشاركة .
والمازق الاميركي واضح، ليس فقط على الصعيد الامني في العراق، وانما -وذاك ما هو الاخطر على ادارة بوش – على الصعيد الاقتصادي الداخلي .
فالولايات المتحدة في حر ب مصيرية، لكل الاهداف التي ذكرت، والعراق هو الجبهة المركزية التي ستحسم المصير، وبوش يحتاج لاجل متابعة المعركة الى 87 مليار دولار، فهل سيتحمل الاميركيون الذين وعدوا بالجنة والخيرات العراقية الغاء تخفيضات الضرائب على الاكثر غنى، هذه التخفيضات التي اعتبرت العقيدة الاقتصادية للجمهوريين من ريغن الى بوش ؟
وماذا سيحصل عندئذ نتيجة العجز في الميزانية الذي يقدر ب 455 مليار دولار ؟
استطلاعات الواشنطن بوست تقول ان 61 بالمئة من الاميركيين ضد موافقة الكونغرس على صرف الـ 87 مليار دولار و38 بالمئة فقط يؤيدون، فماذا سيعني ذلك بالنسبة لادارة تتهيا للانتخابات، وبالنسبة لاية ادارة تاتي مكانها ؟
في العام 2002 قال لورنس ليندسي كبير مستشاري البيت الابيض الاقتصاديين ان الحرب على العراق ستكلف الخزانة 200 مليار دولار، فاجبر على الاستقالة، والان، تصل التكاليف مع الـ 87 المطلوبة الى 150 مليارا، وما يزال الاحتلال في اشهره الاولى، وما تزال المقاومة في مراحلها الاولى .
فهل يكون هناك خيار ثالث غير الاذعان الى القبول بدينامية جديدة تقنع العراقيين والدول العربية والمجاورة والمجموعة الدولية والعالم بالتعاون، او السير بقدمين عنيدتين نحو انتحار يسجل نهاية الامبراطورية، وليس بالضرورة نهاية البلاد والدولة، الم تكن بريطانيا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وكل ما بقي لها اليوم هذا الحلم القديم الذي يقودها الى تبعية الولايات المتحدة ؟
لكن .. اذا كانت هذه هي اللعبة لتي يراهن عليهاالاوروبيون والصينيون والروس، فعلام نراهن نحن في هذا العالم العربي الذي فقد وجهه الرسمي شهية الرهان ؟
اليست المقاومة هي وحدها رهاننا المتبقي ؟