وجوه واصوات ألفناها خلال تأجج الانتفاضة! تلك الايام التي ارتفع فيها موج المد العربي رافعا معه منسوب التفاؤل الذي لا يشترط تلبس وهم التحرير بعد يومين، بل يكتفي بتوفر فرصة ممارسة المقاومة.
فرصة لم تفتح ابوابها مرة امام هؤلاء الناس الذين يعتبرون انفسهم عربا، الا واستجابوا واتحدوا وصعدوا فوق الامراض والتجزئة والتراجع.
وجوه واصوات كانت تحتل يوميا الفضائيات العربية، لتنطق باسم الدم الفلسطيني والامل والكرامة الفلسطينيين، فتنطلق بذاك كالسهم الهادف المباشر الى اوتار الروح العربية اينما كانت.. بل ولتصل الوتر الانساني في مختلف انحاء العالم معدلة النظرة الى القضية بمجملها.
ولم نكن نحن المتلقين، العارفين، لننسى في غمرة الحماس السؤال المفصلي: من منهم الصادق ومن الذي يزايد ويركب الموجة؟
لم نكن لننسى ان ثمة مكاسب وارتباطات وتاريخا لكل واحد ولكل مجموعة.
وجوه واصوات، لعل ابرزها عسكريا في تلك الفترة ثلاثة: محمد دحلان، جبريل الرجوب، ومروان البرغوثي.
فأين اصبح الثلاثة الان؟
واين يقفون في عملية الاصطفاف المخزية التي تنصب خطين متوازيين: عرفات والقدومي وجبريل الرجوب في مواجهة ابو مازن ونبيل شعث ومحمد دحلان. رئيس مقابل رئيس، خارجية مقابل خارجية وامن مقابل امن. وكأن مقتضيات استكمال الفريق قد ارغمت ابو عمار على تناسي خلافاته المعروفة مع جبريل الرجوب، لان ظروف المباراة تفرض..
لكن..
مباراة على ماذا؟
واين ستتحقق الاهداف.. بل واية اهداف؟
أهي المباراة بين دحلان والرجوب، ومن فوقهما بين ابو مازن وابو عمار على نزع سلاح المقاومين، على تجميد الفصائل المصرة على متابعة المشوار، على الوقوف اخيرا فوق اكمة اشلاء الانتفاضة رافعين اليمين على مداها بالعصاة التي تمكنت من ان تحقق لاسرائيل ما عجز عنه ارييل شارون، وان تقدم للولايات المتحدة شهادة حسن سلوك.
والاخطر!
ما هي الاهداف التي ستسدد قبل الوصول الى ذلك؟
حرب أهلية فلسطينية؟
سحق لجميع القوى الوطنية الحقيقية المناضلة؟
تفكيك لبنى المنظمات والتنظيمات المقاتلة التي تشكل اطر النضال الفلسطيني وتحقق، وحدها المعادل المقلق لاسرائيل، وورقة الضغط الوحيد في عملية التفاوض؟
تجاهل كامل لصوت الشارع الفلسطيني، لدماء الشهداء وعذابات المعذبين ومعاناة الاسرى؟
الاسرى، الذين من بينهم مروان البرغوثي، الرجل الذي شكل عبر مرحلة صوت الضمير الشعبي الفلسطيني فكان للانتفاضة الثانية ما كانه ابو جهاد للاولى.
ليغتاله السجن لا الموت كما الاول.
كل ذلك وصولا الى ماذا؟
الى تحقيق مقولة جابوتنسكي المعروفة: »سيظل هؤلاء الفلسطينيون يقاتلوننا كما يقاتل كل سكان اصليين الاحتلال الذي جاءهم، الى ان نتمكن من القضاء على اخر بارقة امل لديهم«.