لم ادر للوهلة الاولى لماذا اعادت الي صور اعتقال طه ياسين رمضان، صور اعتقال النشطاء القوميين واليساريين الموارنة على يد القوات اللبنانية خلال الحرب الاهلية خاصة عندما سارت الكاميرا لترتفع الى اعلى الجدار حيث صورة جلال الطالباني وعندما انصت بدقة لأفهم اول الحديث بين المعتقل والمعتقلين فاذا هو بالكردية التي لم افهم منها شيئا.
لكن وجوه الشبه الكامنة سرعان ما تبلورت وفكرة محددة تتبادر الى الذهن:
زعيمان.. كرديان.. وهما فقط من الزعماء الذين ينتمون الى هذا الاصل، شهدنا صور اعتقالهما القاسية على ايدي قوى عالم ثالثية تابعة للاميركيين: عبدالله اوغلان وطه ياسين رمضان.
مهلا!.. اعرف ان الكثيرين يعترضون على هذه المقارنة، واعرف ان ذلك صحيح اذا ما نظرنا الى الامور من خارج. فهذا رجل ثورة متمرد على سلطة ظالمة، وذا رجل سلطة كان فيها نائبا لرئيس الجمهورية.
لكن ثمة وجها آخر للشبه، اعمق، قائما على خلفية الواقع الاجتماعي القومي الذي يشكل اساسا خطيرا لعملية التدمير الذاتي في العراق وفي بلادنا كلها. وكذلك في خلفية الواقع السياسي الدولي بعد سقوط المنظومة الشيوعية وسيادة العولمة الاميركية واخيرا في خلفية الصراع الوجودي الاساسي الذي نعيشه مع المشروع الصهيوني.
عناصر شبه لا تتبادر الى الذهن الا بعد التفكير مليا بما هو ابعد من الحدث واللحظة وسياقات الحاكم والمحكوم والسلطة والمعارضة، والقامع والمقموع وهي التي تفسر علاقة الاستدعاء لما فعله الانعزاليون في الحرب اللبنانية.
فكما ان قيام دعوى القومية والانتماء الوطني على اساس العرق او الدين خلق شروخ التفسخ الفئوي في لبنان، وخلق الحس الانعزالي لدى الموارنة وغيرهم، وبرر لكل كتلة ان تتهم من يخرج عن انعزاليتها الى الانتماء القومي الذي لا يقر التمييز، بالخيانة التي تبرر معاملته بقسوة اكبر من التي يعامل بها من يعتبر »آخر« فإن هذه العقلية نفسها – وان بقياسات اكبر – هي التي تجعل من الاكراد، ومن الشيعة ومن سواهم كتلا مفصولة متفسخة داخل الجسم العراقي. فهل نسي من عاش حرب لبنان كيف كانت القوات تمارس اقسى قسوتها ضد الموارنة القوميين او اليساريين؟ وهل نسينا نصيحة »من يخلع ثيابه يبرد«؟
اما في السياق الثاني فإن سقوط رمضان وسقوط اوغلان ومن مثلهما هو تصفية انظمة ومنظمات ورموز المعسكر الآخر: قوميا كان ام يساريا من امام دبابة العولمة الاميركية.
ويبقى السياق الثالث حيث ان موقف العداء لاسرائىل، هو الذنب الاكبر الذي يكمن في اعماق حكم الاعدام الصهيوني الذي تنفذه القوة الاميركية ومن في ركبها سواء تبنى هذا الموقف نظام رسمي كالعراقي، او تنظيم قاتل قائده بنفسه في معركة قلعة الشقيف خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان.
أفلا تسقط امام هذه المعاني الاساسية، افتراقات السلطة والثورة، النظام والتنظيم؟
ألم يقل شيمون بيريز صراحة قبل سنة بأن مطالبة عرفات بالفساد والقمع لم تكن ستطرح لو انه اتخذ موقفا اخر في كامب ديفيد.
اوليست اخيرا صورة جلال طالباني المرتفعة اعلى الجدار ويده المبسوطة على صدره، فوق صورة طه ياسين رمضان والقيد يحكم فوق عينيه ويديه.. هي صورة المرحلة.
مرحلة لن يغير وجهها الا صورة اخرى تصر على ان تطمئننا كل يوم.. عمليات المقاومة في العراق وفلسطين.