عبثية الهرب!

صحيفة الدستور، 19-08-2003

ثمة صراع.. وثمة صراع آخر يدور حول اخفاء او اظهار واقع الصراع.

لساعات كان العالم العربي بمعظمه يتابع تلفزيون المستقبل، يوهم نفسه بالفرح، بمباراة تافهة، يخرج احد طرفيها بوهم انتصار، في هذا الشعب المتعطش الى اي شيء غير الخسارة.

وينتهي الحفل، لتجد نفسك تقلب الجهاز تلقائيا الى محطة الجزيرة لتفاجئك صورة طفل قتيل: مسجى، مكشوف البطن، حيث استقرت رصاصة محتل لا تميز للوهلة الاولى ، اهو الامريكي ام الاسرائيلي، الى ان يأتيك صوت الاب عراقيا، يصف كيف اغتال الجنود طفله في مقاطعة الانبار قبل ان ينتقل الخبر الى مأساة أخرى، نفط مهدور، يشتعل على الشط ويدمر معه منطقة كاملة بنخيلها وزيتونها وليمونها، ورجل آخر، فلاح صلب الملامح منكسرها يروي كيف قضت النيران هذه على تعب عمره. اولاده وحقله، وماذا لرجل الارض من غوال، بعد ان سبقهما القضاء على حريته وكرامته؟

وهذا التماهي في التعامل بين فلسطين والعراق بحيث تجعلك الصور تتساءل يوميا اهي من هذا الجناح او ذاك؟

تماه يأخذ طريقه ايضا الى التشكل على صعيد المقاومة التي بدأت انباؤها في العراق تحتل نصف نشرة الاخبار رغم حرص المحتل على التعتيم عليها. وبدأت تكشف عن وجه حقيقي يكذب مقولة انها اعمال تقوم بها فلول النظام السابق. ولا يستجيب لها الشعب العراقي لتليها انباء تتطور كل يوم عن انكشاف فضيحة اكاذيب طوني بلير وادارته في مجال تسويق الحرب.

فهل سيراد لهذا الرجل الذي قالت عنه معارضته انه غير متوازن عقليا، ان يكون منديل الورق الذي يمسح به الاحتلال عرقه، كما اريد لديفيد كيلي ان يكون كبش المحرقة الذي احترقت معه اسرار يطويها، وفي مقدمتها علاقته بالموساد؟ واذا ما ذهب بلير.. وحتى اذا ما ذهب بوش، فهل ستكون الخطوة التالية هي انسحاب القوات المحتلة من العراق؟

وحتى اذا حصل – وذاك هو المستبعد في المنظور القريب- افلن تكون مقولة اللورد كريمر عند احتلال مصر، هي المتجددة المتحققة، حيث سئل: هل ستحكم مصر؟ فأجاب بل سأحكم من يحكم مصر..؟

وماذا كان المقصود من كل مأساة العراق منذ حرب الخليج الاولى وحتى الآن، كلمتين: النفط واسرائيل، فهل ستكون الحكومات المعينة من قبل الاحتلال افضل من الاحتلال الامريكي في تحقيق كل ما يندرج تحت هذين العنوانين بكل التفاصيل التي وضعتها الخطة اليهودية؟

حتى ولو اخرجت مسرحية تشكل الحكومة اخراجا انتخابيا، يعرف الجميع كيف يمكن ان يعد نصه، وتصاغ مشهديته، وتوزع ادوراه على الممثلين..

والحل. الحل الوحيد المطروح امام هذه الامة، ان ارادت تجنب الانقراض المعنوي، هي المقاومة، المقاومة بشتى اشكالها واساليبها الممتدة من المقاومة المدنية الى العمل العسكري، وليسمها المحتل ارهابا وتخريبا، فهل يخشى الغريق من البلل؟

هذه المقاومة هي التي قلبت، على الارض، المنطق الكلامي الذي امطرنا حديثا عن التحرير، وفرضت صورة العلاقة التاريخية الازلية بين الاحتلال ومقاومة الاحتلال. علاقة تتطور حكما الى الصراع بين المقاومين وعملاء الاحتلال والمتعاونين معه. لتتطور في وجه آخر من وجوهها الى صراع حاد بين من يريدون ابراز هذه الصورة على حقيقتها ومن يفرض عليهم مأزقهم العمل بكل الاساليب والوسائل، صغرت ام كبرت، على التعتيم عليها ورمي غطاء على النار المشتعلة في محاولة لاخمادها او على الاقل لمنع انتشارها.

انتشارها في وجه من يحكم مصر ومن يحكم من يحكمها..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون