الثأر

صحيفة الدستور، 05-08-2003

ثلاثون عاما ما بين دينار باعني اياه مسوق تحف قديمة، لا يعرف هو قيمتها، وبين دينار يصدره الاحتلال، او حكومة فيشي الاحتلال في بغداد.

ثلاثون عاما، بين دينار فضي تذكاري صادر في الأول من حزيران عام 1972 وعليه كتابة دائرية: »الجمهورية العراقية – ذكرى تحرير النفط من الاحتكارات الاجنبية«، وعلى الوجه الثاني نهر وباخرة وشمس والتاريخ بالتقويم الهجري، وبين دينار يصدر الآن وقد اشترط المحتلون ان يحمل صور عظماء التاريخ العراقي باستثناء اثنين: صدام حسين، ونبوخذ نصر.

هو الثأر، اليهودي – الاميركي البريطاني، الذي كتب عنه وزير الدفاع الفرنسي المستقيل احتجاجا على حرب 1991 يقول:

»لنلاحظ تقلب التحالفات، ففي عامي 1972-،1973 كانت مصر هي التي انقلبت الى المعسكر الاميركي، وفي عام 1990 سوريا، وعلى العكس اختارت ايران عام 1979 الانشقاق عن اميركا قبل ان تعود تدريجيا الى الحظيرة، ومع انهيار الامبراطورية السوفيتية وجدت الانظمة التقدمية نفسها امام خيار بسيط، اما ان تنضم الى الصف، واما ان تهرب الى الامام كما فعل العراق مطمئنا الى الضمانات، وقد كان في ذلك سوء تقدير لحقد وتصميم الانجلو – ساكسون الذين طردوا خارج العراق عام 1958 وخاصة عام 1972 عندما امم البعث نفط العراق.

حقد المطرودين وتصميمهم على العودة، ليس بدون الانتقام، وليس بدون الاصرار على اجتثاث الروح التي شحنت فكرة الحق الوطني في السيادة على ثروات الوطن وسياساته وقراراته، هو الذي يفسر كلمة الاجتثاث التي كنا نسمعها من المسؤولين الاميركيين ومن عملائهم وأبواقهم في المعارضة العراقية، ألم يكن احمد الشلبي يصيح باجتثاث حزب البعث منذ الاسبوع الأول للاحتلال.

حقد التحم بحقد اليهود على سبيهم الاول، وبضعة صواريخ اراد بها صدام حسين توجيه رسالة ما الى الروح العربية الكامنة حية، ثلاثة آلاف عام.

وإذ هو الثأر المزدوج.. الثأر المضاعف آلاف الاضعاف من محاولة النهوض والكرامة والتحرر.

ثأر نقزمه اذا قصرناه على مجرد الحقد وحده، واحساس التعالي وحده، اذ ان وراءه ايضا تلك الاستراتيجية الاستعمارية الواضحة للسيطرة على العالم انطلاقا من السيطرة على منابع النفط، وعلى اكبر سوق استهلاكي في العالم، ومعها الاستراتيجية الصهيونية الواضحة ايضا في تهويد العالم انطلاقا من تهويد ارض الميعاد.

»اذا اردت ان تعرف مكان الحروب القادمة فما عليك الا تتبع خريطة النفط« كتب الخبير الاعلامي السياسي ميشال كولون، عام 2000.

»اذا كان القرن الماضي قرن الحروب للسيطرة العسكرية فان هذا القرن هو قرن سيطرة السوق«. يكتب دومينيك دوفيللو بان. عام 2003.

و»اذا كانت فلسطين هي المحطة الأولى في الخطة الصهيونية، فان العراق سيكون المحطة التالية في هذه الخطة«. كتب انطون سعاده عام 1936.

ونحن؟

والآن؟

زميلي فؤاد ابو حجلة، ينظر الى الدينار الفضي التذكاري امامي، ويتذكر انه كان يومها طالبا، وهبت في العالم العربي حملة لدعم العراق – بناء على توقعات عدم تمكنه من بيع النفط لمدة ثلاثة اشهر، وكان يتبرع، كسائر اترابه بمصروفه الشهري البالغ دينارا لصالح الحملة.

فاين نحن؟..

وأين الآن؟..

من هذا وذاك؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون